د. أماني الطويل .. تكتب .. كيف تعيد واشنطن هندسة معادلة السلطة في الخرطوم؟
تحول الصراع القائم بين الجيش و"الدعم السريع" إلى مواجهة مكشوفة على الموارد الاقتصادية والسيطرة على مسارات تدفقها وإعادة إنتاج الدولة السودانية من بوابة الاقتصاد لا السياسة فحسب

تحول الصراع القائم بين الجيش و”الدعم السريع” إلى مواجهة مكشوفة على الموارد الاقتصادية والسيطرة على مسارات تدفقها وإعادة إنتاج الدولة السودانية من بوابة الاقتصاد لا السياسة فحسب
أماني الطويل كاتبة وباحثة
الثلاثاء 28 أكتوبر 2025
الجنرالان عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (أ ف ب)
المحادثات التي جرت أخيراً في واشنطن مع وفود من الجيش السوداني لم تقتصر على مناقشة القضايا العسكرية والأمنية التقليدية، بل توسعت لتتناول مستقبل السيطرة على الموارد الاقتصادية والبحث عن ضمانات واضحة، لتوزيعها في أي تسوية انتقالية قادمة. هذا التحول في التركيز على أن أي وقف لإطلاق النار إذا لم ترافقه إعادة ضبط شاملة لمنظومة الموارد القومية سيبقى هشاً وقابلاً للانهيار، لأن الصراعات الاقتصادية حول السيطرة ستجد طريقها مجدداً لإشعال الحرب.
إن الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل (نيسان) من عام 2023 ليست مجرد فصل عسكري عابر في تاريخ صراعات السلطة التقليدية داخل الدولة الأفريقية، بل هي في جوهرها انعكاس لمأزق هيكلي عميق يتصل بالهوية الاقتصادية للدولة، ومن يتحكم في شبكات توزيع الثروة القومية. لقد تحول الصراع القائم بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى مواجهة مكشوفة على الموارد الاقتصادية والسيطرة على مسارات تدفقها وإعادة إنتاج الدولة السودانية من بوابة الاقتصاد، لا السياسة فحسب.
الحرب الراهنة كشفت عن التداخل الكثيف بين البنية الاقتصادية غير الرسمية التي ظلت النخب العسكرية والقبلية تراكم فيها ثروات هائلة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي وبين المحاولات المتلاحقة لإعادة هندسة السلطة بعد ثورة عام 2019. هذا التداخل المعقد هو الذي جعل الموارد وحدها لا الأيديولوجيا أو حتى الولاءات التقليدية هي المحرك الرئيس لجميع معادلات القوة في السودان.
طبقاً للتقديرات الدبلوماسية فإن السودان قد تحول منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير إلى ساحة تنازع واسعة بين شبكات اقتصادية غير خاضعة لأي رقابة مؤسسية. هذا التنازع يرتبط بصورة أساسية بمناطق الثروة الرئيسة كالذهب وتهريبه والأراضي الزراعية المستأجرة من قبل شركات أجنبية ذات نفوذ واسع، وكذلك التحكم في عائدات الموانئ والنفط والمعادن النادرة في مناطق مثل دارفور والنيل الأزرق.
هذا التشابك المالي والعسكري المعقد جعل من السيطرة الفعلية على الموارد شرطاً ضرورياً وفعلياً للنفوذ السياسي، وهو ما يضع صعوبة كبيرة أمام إمكان بناء دولة مدنية مستقرة في ظل استمرار هيمنة ما يمكن تسميته اقتصاد الحرب، وذلك على الرغم من تبني واشنطن خيار تولي المدنيين السلطة السياسية، مما لا توجد له آيات واضحة تحت مظلة الوضع القائم، حيث تمتلك المؤسسة العسكرية السودانية شبكة واسعة ومترابطة من الشركات الإنتاجية والخدمية والاقتصادية التي امتدت نشاطاًتها من قطاع الزراعة وصولاً إلى التعدين وحتى الاتصالات والبنية التحتية.
في المقابل، نشأت ثروات قوات “الدعم السريع” وتضخمت بصورة غير مسبوقة من تجارة الذهب وتعدينه، حيث تحولت السيطرة المباشرة على هذه المناجم الغنية إلى أداة فعالة لبناء شبكة واسعة من الولاءات المحلية والقبلية والإقليمية، وعندما انفجرت الحرب لم يكن هذا الاقتتال في حقيقته سوى نتيجة طبيعية وحتمية لتضارب شبكات المصالح المالية والعسكرية المتنافسة، متجاوزاً بذلك كونه مجرد صراع على شكل الحكم أو توزيع الكراسي السياسية.











