الخرطوم . ترياق نيوز ـ تقرير : عبدالباقي جبارة
لشرق السودان قضية ومظالم تاريخية كما لأجزاء السودان المترامي الأطراف , لكن قضية شرق السودان لها خصوصية حيث يعاني الفقر المدقع وهو الغني بموارده الطبيعية , ويعاني التهميش وهو بوابة السودانية الشرقية ومنفذه البحري بموانيه ” البقرة الحلوب ” التي تغذي الخزينة العامة بالعملات الصعبة .. يفتقر لأبسط مقومات البني التحتية , يمثل النسبة الأعلى للأمية والجهل , يعاني من الأمراض المستوطنة بسبب سوء التغذية وموجات اللجوء من دول القرن الأفريقي , رغم ذلك ظل إنسانه إحدى ممسكات الوحدة الوطنية وترابط النسيج الاجتماعي وهو نموذج للشخصية السودانية المحافظة على إرثها التاريخي , قابضة على جمر قضيتها التي ظلت تعترف بها وبعدالتها كل الحكومات الوطنية منذ الاستقلال في العام 1956م , ظل إنسان الشرق يؤدي فروض الطاعة للدولة السودانية في المركز ويحصد الوعود الكاذبة مثل وعد “بامكار ” الشهير في إنتخابات الديمقراطية الثالثة 1987م حين قال : ” إذا فزت بالانتخابات سأشيد لكم كبري على البحر الأحمر يربط بين بورتسودان وجدة ليحج أهل الشرق راجلين ” مرورا بوعود البشير المتكررة التي ظل يبذلها مجانا كل ما أشتاق للإيقاع “الهدندوي ” ليتمايل معه أو يمتع نظره بعروض فرقة ” السماكة ” يجزم بأنه سيسقى أهل الشرق ماءا سلسبيلا من نهر النيل العظيم أو هكذا وعود , لكن دعونا نقفز مباشرة للفترة التي أعقبت التغيير في 11 ابريل ثورة 19 ديسمبر التي حررت الكثيرين من قبضة الانقاذ وظهرت كثير من مناطق السودان فأطلقت لقضاياها العنان وعبرت عن وجودها فكان الشرق الذي ظهر فيه الناظر سيد محمد الامين ترك كرمز قبلي يلتف حوله أهله وعشيرته متحكما في المد الجماهيري في شرق السودان حيث بدأ متمسكا بحقوق أهل الشرق التاريخية وتحصن بها من إنتماءه للنظام البائد دون تحمل أي تبعية لعهد الإنقاذ , رغم أن اعلام الثورة فتح كتابه على مصراعيه , ولكن تعاملت معه حكومة الثورة “الحرية والتغيير ” كأمر واقع ليشارك في التغيير فشق عصاه حين تعين أول وال لكسلا من خارج أثنيته فبدأت الحشود والتهديد والوعيد حتى أرغم حكومة الحرية والتغيير بالاستجابه له بسحب الوالي “صالح عمار” , فقوبل هذا القرار بتحشيد مضاد من أثنية الوالي المقال لكن ترك أستمرأ تنازلات الحرية والتغيير حتى ظهر تحالفه مع المكون العكسري ونجحوا في إسقاط الحرية والتغيير لكنهم لم يفلحوا في إسقاط “الثورة ” فظل الشارع متقد ومتمسكا بمطالبه الداعية للتغيير وظلت مطالب الشرق “محلك سر” وأبرزها المسار الذي أتت به إتفاقية جوبا بجانب المظالم التاريخية وهي العصا التي كان يلوح بها المجلس الأعلى لنظارات البجا وأغلق الميناء من أجلها ظاهريا لكنه حقق بها المطلب الخفي هو اسقاط حكومة الحرية والتغيير, فكسب وفاءه لحلفاءه ولم يكسب قضية الشرق الذي زادت أوضاعه تأزما . حيث أرتفعت حدة إنقسامات مكوناته حتى طالت المجلس الأعلى لنظارات البجا نفسه ونزعت ” مخالبه ” بعد أن أدى الدور المطلوب منه , ولكنه ظل يواصل هوايته في التحشيد بين الفينة والأخرى مثل الحشود التي أستقبلت ” إيلا” وحشود سنكات وحشود أركويت حتى كادت تصدر هذه الحشود ولكن بدأت تخطب ودها كيانات وقيادات جديدة لتسند بها ظهرها بعد أن كشفه “الشارع ” في الخرطوم فلبس “أردول ” السديري” ووجد حظه من الهتاف وألتقى جيل “الصحوة ” بجيل “البجا” “فحج” الى الشرق موسى هلال وأبوقردة وغيرهم من قيادات نداء أهل السودان الذي يتزعمه الخليفة الطيب الجد .. ولكن وسط كل هذه التحالفات أو المساعي لتحالفات جديدة يطل السؤال الأبرز ماذا كسب إنسان الشرق من التحشيد والتحشيد المضاد ؟ “ترياق نيوز ” طرحت هذا السؤال على عدد من القيادات التي لها علاقة بالملف ..
القيادي البارز الفريق شرطة عثمان فقراي تحدث ل ” ترياق نيوز ” قائلا : قضية الشرق هي جزء من كل قضايا السودان المختلفة وكان يمكن أن تحل في الإطار القومي لكن هنالك أطماع من محاور دولية ونافذين داخل السودان , الدول الخارجية لها مآرب وأطماع مختلفة مثل الأمارات وهي عينها على الموانئ وتركيا التي ترى أنها الأولى بالشرق حيث كانت لها أمارة هي سواكن منذ عهد الدولة العثمانية , أما النافذين من داخل الدولة السودانية مصلحتهم في الدعم الخارجي . ويواصل فقراي حديثه قائلا : إغلاق الموانئ بالشرق الذي أسقط حكومة الحرية والتغيير كانت فيه خدعة كبيرة حيث أستفاد المكون العسكري من حماس قبائل الشرق لإلغاء المسار الذي أتت به إتفاقية جوبا وفات على الأهالي بأن إتفاقية جوبا وقع عليها من العساكر حميدتي وكباشي ومن المدنيين محمد حسن التعايشي ومن المعروف بأن الإدارات الأهلية ولاءها للدولة وهم أصبحوا أدوات للنافذين في المركز الذين أصبحوا يجيروا أي حاجة لصالهم ومنهم من يطمح في رئاسة السودان مثل ” حميدتي ” الذي تحدثت تقارير بأنه يعتزم الترشح لرئاسة الجمهورية ومنهم من له مآرب أخرى , ولذلك من السهل جدا تجميع الناس وتحشيدهم وخاصة أنهم خلقوا تنافس قبلي في الشرق مع تراجع دور الاحزاب , وكذلك هنالك تعتيم اعلامي لغياب الاعلام الرسمي ولا تجد أخبار المنطقة إلا في الاعلام الخارجي مثل قناة الجزيرة وغيرها وكذلك القوة الواعية والمستنيرة لم تجد منبر لتعبر فيه عن أراءها وأفكارها .. ودائما المركز يأتي بقيادات الإدارة الأهلية لأنهم ينفذوا له أجندته حتى مستشاريه يختارون من هؤلاء .. فالعساكر لديهم أطماع وكذلك الحركات المسلحة لديها أطماع وبين كل هؤلاء ضاعت قضايا الشرق الحقيقية وقضية إنسانه .
الصحفي والمحلل السياسي والاقتصادي المهتم بقضايا شرق السودان محمد سلمان المبارك قال : التحشيد الذي وصل ذروته بإغلاق الميناء في شرق السودان تضرر منه إنسان المنطقة أولا ضرر بالغ وفقد فيه الأدوية المنقذة للحياة والسلع الضرورية وتسبب في ضائقة معيشية حقيقية , أما الذين عملوا على تحريك الحشود فلديهم مآرب ومصالح ذاتية لا علاقة لها بقضية انسان المنطقة وبعد مرور عام من اسقاط حكومة الثورة ما زالت الأزمة تراوح مكانها نفس الجهل والامراض المستوطنة في كسلا والقضارف وغيرها وكذلك التنمية معطلة والعمل متوقف حتى الصندوق العربي للتنمية نشاطه متوقف فكان من الأجدى أن يتم حل قضايا الشرق في الاطار القومي . ويوصل سلمان قائلا : الآن بدأت بوادر وعي لإنسان الشرق وأدرك بأن هؤلاء الذين يعملون بالمتاجرة بقضيته لا يمثلونه , مثلا عندما قام الناظر ترك بإعادة هيكلة المجلس الأعلى لنظارات البجا في هذه الايام وأتى بمبارك النور أمينا عاما قابل المواطنون هذا الأمر بسخرية وتهكم .. وأصبح الآن تحشيد الناس عبر التنافس القبلي ليس له أدنى تأثير .. ومن جانب آخر يرى محمد سلمان بأن الفترة الماضية كان هنالك فراغ بسبب تراجع الأحزاب ودور منظمات المجتمع المدني ولذلك أرتفع صوت القبيلة وتقدم ليسد هذا الفراغ دون جدوى . ولا ينكر أحد بأن للشرق قضية عادلة ومظالم تاريخية ولكنها لا تحل إلا في الإطار القومي .. لكن ما حصل بأن العسكرين أستغلوا إنسان الشرق من أجل تمرير أجندتهم وكذلك تسلل عبرهم عناصر النظام البائد والآن كل هذه الأدوار أصبحت مكشوفة وأنها لن تحقق أي هدف لإنسان الشرق .
مسؤل الاعلام بالمجلس الأعلى لنظارات البجا عبدالباسط ودحاشي قال ل ” ترياق نيوز ” : قضية الشرق ليست جديدة بل منذ الاستقلال في العام 1956م ظل الشرق يعاني التهميش رغم أن الاقليم غني بشتى الموارد سواء كانت الميناء أو الموارد المعدنية وغيرها وكل هذه الموارد تذهب للمركز ويظل المواطن يعاني ونحن نختلف في مطالبنا من سكان العاصمة ولذلك تمسكنا بحراكنا محليا واقليميا , ود حاشي أقر بأن مطالبهم التي رفعوها أثناء اعتصاماتهم لم تتحقق وقال نجحنا بأن أبرزنا قضيتنا محليا ودوليا وعالميا والدليل على ذلك زيارات السفراء الأجانب لنا وكذلك المنظمات الدولية والترويكا . وأكد ود حاشي قائلا : نحن الآن لا نوالي اسلاميين أو يساريين بل نتحالف مع الشيطان من أجل قضيتنا والحديث عن إننا محسوبين على العساكر حديث غير صحيح وقبل ذلك سبق لنا أن رفعنا مطالبنا لحكومة الحرية والتغيير لكنها لم تفعل شيئا , والآن أصبح هنالك وعي كبير حيث إنسان الشرق في الأرياف وفي الجبال أصبح واعي بقضيته ويتفاعل معها .
وأقر عبدالباسط قائلا : نحن فعلا تحالفنا مع العسكر وأسقطتنا حكومة الحرية والتغيير لكن للأسف العسكر خذلونا وحكومتهم فشلت في تحقيق أي مطلب من مطالبنا .. وختم ود حاشي حديثه قال : نحن في المجلس الأعلى لنظارات البجا ليس ضد الحكومة المدنية لكننا دائما نتخوف من الحكومات المدنية لأنها لا تحقق لنا مطالبنا ..
ـ المحرر
رغم الاعتراف البائن بالفشل وعدم تحقيق أدنى مطلب من مطالب انسان الشرق الحقيقية وذلك بشهادة المراقبين وقادة الحراك أنفسهم إلا أن المكابرة ظلت سيدة الموقف لكن الطبقة الواعية والتي تسعى للتغيير والتحول المدني تعول على إدارك مواطن الشرق ومعرفة الحقيقة بنفسه حتى يتجاوز الذين تاجروا بقضيته ولم يكسب من وراءهم شيئا ..