في ظل الأزمة السودانية المتفاقمة وتعقيدات المشهد السياسي والعسكري، ما هي امكانية قيام حكومة سياسية بتحالف واسع
ضرورة اشراك القوى المدنية المناصرة للجيش والدعم السريع
قراءة : زهير عثمان حامد
تبدو فكرة تشكيل حكومة سياسية بتحالف واسع يضم قوى مدنية تناصر الجيش وأخرى تدعم قوات الدعم السريع حلاً طموحًا يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار، إذا تم التعامل معه بحكمة وواقعية. هذا الاقتراح يعكس الحاجة إلى صيغة حكم تعزز التوافق الوطني وتقلل من الاستقطاب الذي أصبح السمة الأبرز في البلاد، كما يهدف إلى تجنيب السودان الانهيار الكامل عبر شراكة شاملة بين الأطراف المؤثرة.
لتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر بناء أساس متين لتحالف مدني واسع يمثل مختلف الأطراف. يبدأ ذلك بتحديد القوى المدنية المؤثرة التي تحظى بثقة مناصري الجيش والدعم السريع على حد سواء، مع تشكيل لجنة وساطة تضم شخصيات وطنية مستقلة تحظى بقبول واسع، تكون مهمتها وضع جدول أعمال مشترك يركز على القضايا الوطنية الكبرى، مثل وقف الحرب، معالجة الأزمات الإنسانية، والتحضير لمرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي.
يمكن إطلاق مفاوضات أولية تحت رعاية إقليمية أو دولية لضمان الشفافية وتعزيز الثقة بين الأطراف. ويأتي إيجاد أرضية مشتركة كخطوة ضرورية لبناء هذا التحالف، إذ ينبغي أن تتركز الجهود على قضايا توافقية مثل إنهاء الحرب، تسهيل عودة النازحين، والبدء في إعادة بناء المناطق المتضررة.
الدعم الدولي يشكل ركيزة أساسية لضمان نجاح هذا التحالف. إذ يمكن للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودول الجوار لعب دور مهم في توفير الدعم السياسي والمالي، مع التأكيد على أهمية التنسيق مع الدول ذات النفوذ الإقليمي مثل مصر، إثيوبيا، والإمارات لضمان عدم عرقلة هذا المشروع.
تشكيل الحكومة السياسية يتطلب تمثيلًا متوازنًا لجميع الأطراف. يمكن توزيع المناصب بما يضمن التمثيل العادل للقوى الداعمة للجيش والدعم السريع، مع إشراك القوى المدنية المستقلة التي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تخفيف التوتر وضمان الاستقلالية. القيادة في هذه الحكومة ينبغي أن تكون توافقية، من خلال اختيار شخصيات محايدة تتمتع بقبول واسع.
معالجة القضايا الأمنية ستكون إحدى أكبر التحديات، خصوصًا ما يتعلق بدمج قوات الدعم السريع في القوات النظامية. يتطلب ذلك وضع ترتيبات مرحلية ومتفق عليها لضمان تحقيق هذه العملية دون المساس بالأمن القومي. العدالة الانتقالية تأتي كأولوية أخرى لضمان معالجة الانتهاكات التي وقعت خلال الحرب، بينما يجب إعطاء الأولوية للقضايا الإنسانية، من خلال تعزيز جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
بعد تشكيل الحكومة، يجب وضع برنامج عمل وطني يركز على صياغة دستور جديد يعكس تطلعات الشعب، التحضير لانتخابات حرة ونزيهة، وإعادة هيكلة الاقتصاد لخلق بيئة تنموية تساهم في تحسين معيشة المواطنين. مشاركة المجتمع المدني في مراقبة الأداء الحكومي تعتبر ضرورة ملحة لضمان الشفافية والمساءلة.
على الرغم من أن هذا الاقتراح يحمل فرصًا كبيرة، إلا أنه يواجه تحديات عديدة. انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة قد يشكل عائقًا كبيرًا، لكن يمكن التغلب عليه من خلال تشكيل آليات مراقبة مستقلة ومحايدة لضمان تنفيذ الاتفاقات. كما أن الأطراف المتشددة قد تقاوم هذا التحالف، مما يتطلب عزلها سياسيًا عبر دعم محلي ودولي قوي للمشروع.
الدور الإقليمي لا يقل أهمية، إذ ينبغي التفاوض مع الدول المؤثرة لضمان عدم تدخلها بشكل يعطل الجهود المبذولة. وفيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، فإن وضع خطة إنقاذ بدعم من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يمكن أن يساهم في خلق بيئة استقرار اقتصادي تدعم التحول السياسي.
نجاح هذا الاقتراح يعتمد بشكل كبير على رغبة الأطراف السودانية في إيجاد حل مشترك، وعلى الدعم الشعبي الذي يطالب بإنهاء الحرب وتحسين حياة المواطنين. كما أن الدعم الدولي والإقليمي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في ترجمة هذا التحالف إلى واقع.
ختامًا، يمثل التحالف المدني الواسع فرصة حقيقية لوقف النزيف السوداني، لكنه يتطلب إرادة سياسية قوية، رؤية موحدة، وضمانات دولية ومحلية تضمن استدامته. السودان اليوم بحاجة ماسة إلى حلول شاملة تعيد بناء الدولة وتضمن تحقيق السلام والتنمية لجميع أبنائه.