نظر الشعب السوداني بتفاؤل كبير مصحوب بحذر لمفاوضات سويسرا، واصيب بإحباط شديد للتصعيد العسكري من طرفي الحـرب في مناطق متعددة وللتهديد السياسي المتبادل بين الطرفين.
أجـواء الأسابيع الماضية كانت تدفع إلى التفاؤل، نتيجة التصريحات الايجابية التي احاطت الإدارة الأميركية بها أجواء ما قبل المباحثات، وإعلان الدعم السـريع استعداده للوصول لإتفاق وقف إطلاق النار، ومازالت الكورة في ملعب القوات المسلحة تتراوح بين قبول التفاوض وفرض الشروط لأكثر من إسبوعين. فقد شكّل عدم الذهاب الي جنيف صدمة كبيرة للشعب السوداني المتطلع لإنهاء الحرب وتحقيق السلام، لقد صارت الحرب مقتلة مستمرة لنا كسودانيين، وحولت حياتنا وما نملك ومستقبل أطفالنا وسلامنا وأمننا ومعيشتنا إلى جحيم.
رحبنا بالدعوة الآمريكية، وعبرنا عن تفاؤل لا يحجب المعوقات والتحديات، لإدراكنا لحقائق موضوعية؛ ان صناعة السلام تحتاج لإرادة وشجاعة وتقديم تنازلات للمصلحة الوطنية، وان الطرفين في حاجة فعلياً للخروج من مأزق الحرب، وأن الشعب السوداني الذي دفع ثمن هذه الحرب يريد التوصل إلى اتفاق ينهي معاناته ويستعيد الأمن والإستقرار، وان تعقيدات المشهد وتناقضاته تجعل من السلام هدفاً صعب التحقيق ولكنه ليس مستحيلاً.
لقد بذلت الدبلوماسية الأميركية جهوداً حثيثة، حيث أنهى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولة إقليمية وأجرى إتصالات عدة لإنجاح مفاوضات سويسرا، بل ساهم فيها الرئيس الأميركي جو بايدن بنفسه، كما بذلت مصر والسعودية جهوداً في ذات الإتجاه ولازالت حتى صباح هذا اليوم، ولم تفلح هذه الجهود للأسف في ضم القوات المسلحة الي طاولة التفاوض بعد، ولعل ذلك يرجع إلي غياب الإرادة وضغوط دعاة إستمرار الحرب. كما يبدو لى أن الوساطة قد تسرعت في الإعلان عن مفاوضات قبل اجراء مشاورات كافية تضمن المشاركة الإيجابية للطرفين، حتى مشاورات جدة زادت المشهد تعقيداً بالشروط غير الموضوعية التي طرحها وفد بورتسودان، وفشلت مشاورات القاهرة لدواعي خرق البرتوكول وتبادل الاتهامات.
منذ البداية كان واضحاً أن المفاوضات تواجه العديد من التحديات التي تجعل من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار أمراً صعب المنال في هذه الجولة، ويشكل غياب الثقة بين الطرفين أحد أبرز العوائق أمام أي مفاوضات، ولكل منهما شروط ومطالب، كما أن الأمر يتطلب إرادة سياسية قوية داعمة للسلام، إضافة إلى رؤية واضحة للوساطة تركز على معالجة الأسباب الجذرية للصراع وليس مجرد التخفيف من تداعياته وبحث مخاوف المتحاربين، ومعلوم بالضرورة أن المفاوضات لكي تكون فرصة حقيقية لإنهاء الحرب تتوقف على التوافق بشأن النقاط الخلافية، والاعتبارات السياسية والإستماع لرأي المدنيين في إنهاء الحرب وقضايا اليوم التالي.
إننا في حزب الأمة القومي نتابع بقلق بالغ تطورات الوضع على الأرض في ظل التصعيد الأخير والذي راح ضحيته عشرات المدنيين الأبرياء، والإنجرار نحو خطوات سياسية تصعيدية حول الشرعية بالدعوة لتشكيل حكومة مؤقتة هنا وهناك؛ وهذا حتماً سيفتح الباب واسعاً امام سيناريو التقسيم، ولهذا؛ ندعو طرفي الحـرب إلى الكف عن التصعيد الذي يبدد جهود وقف الحرب وينقل بالبلاد إلي نقطة اللا عودة، ومازلنا نعتقد أن الجهد الذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات وسويسرا مهم وضروري، وندعمه، وندعو إلي تحسينه بما يحقق التوصل إلى إتفاق وقف إطلاق النار لتوصيل المساعدات الإنسانية والحل السياسي.
إن الالتزام بفتح المعابر وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية يشكل خطوة مهمة ولكن؛ ستواجهها عقبات إن لم يصاحبها وقف لاطلاق النار لدواعي إنسانية يوفر الحماية لفرق العمل الإنساني وتأمين القوافل وتسهيل حركة المدنيين، وحتى لا تستخدم المساعدات لزيادة وقود للحرب والتنازع حولها وعرقلة وصولها الي المتضررين.
ما العمل؟
لمواجهة تداعيات تعثر (فشل) مفاوضات سويسرا، والتصعيد العسكري والسياسي المتوقع؛ يجب التحرك العاجل في مسـارات متعددة، تأخذ في الإعتبار الجوانب الإنسانية، السياسية والدبلوماسية:
1. تعزيز الجهود الدولية والإقليمية لتقديم المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى المناطق المتضررة، والتركيز على توفير الغذاء، الدواء، والمأوى للنازحين واللاجئين.
2. إنشاء ممرات آمنة تضمن وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة دون تعرضها للخطر ، والضغط للحصول علي التزام بوقف إطلاق نار لدواعي إنسانية.
3. تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الوطنية لضمان توزيع المساعدات بشكل فعال للحد من المعاناة الإنسانية.
4. الضغط الدبلوماسي لإعادة إحياء المفاوضات بالضغط على الطرفين، وتحسين جهود الوساطة الحالية.
5. الضغط لفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد من يرفض التفاوض أو يصعد النزاع، مع ضمان عدم تأثيرها سلبًا على السكان المدنيين.
6. توحيد الصوت المدني، ودعم القوى المدنية التي ترفض الحرب وتدعو إلى الحل السلمي، وإشراكها في الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار.
7. مواجهة أية دعوات سياسية متطرفة قد تزداد من استمرار الحرب، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية.
8. التنسيق والتعاون مع الدول المجاورة للسودان لتأمين الحدود ومنع انتشار النزاع إلى مناطق أخـرى وتدفق السلاح.
9. تشجيع المبادرات الإقليمية لحل النزاع، سيما مبادرات مصر والإتحاد الإفريقي والايقاد، ودعم جهودها الرامية لوقف الحرب.
10. دعم الحملات الإعلامية الداعية للسلام ومحاربة خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
11. إشـراك المجتمعات المحلية في عمليات الحوار لتعزيز المصالحة وإعادة بناء الثقة بين مختلف الأطـراف.
ختاماً: سنواصل العمل مع حلفائنا وشركائنا وشعبنا لإنهاء هذه الحرب المدمرة، ورغم التحديات الإ أن فرص السلام مازالت موجودة، (إن أحلك ساعات الليل سواداً هي التي تسبق الفجر، وإن أشد الأيام قسوةً هي التي تسبق الفرج).
#الواثق_البرير
#حزب_الأمة_القومي
•••