الخرطوم- محمد الأقرع
موجه من الاتهامات والتشكيك قابل بها ناشطون وسياسيون، الفعاليات المنعقدة بالعاصمة القطرية “الدوحة” حول الانتقال الديمقراطي في السودان. إذ ذهب الكثير منهم بوصفها إحدى منابر التسوية السياسية المتوقعة، ويبدو أن التعميم الذي أصدره مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني المستضيفة للفعاليات أو اللقاء التفاكري لم يقنع المنتقدين الذين مازالوا يطرحون الأسئلة حول صفة المشاركين وطريقة اختيارهم وأجندة اللقاءات والخلاصات المرجوة.
قبل يومين، أصدر مركز دارسات النزاع القطري توضيحاً للرأي العام بعد تداول تشكيك على ذات النسق أعلاه، قال فيه: “إن المركز يعقد لقاءً تفاكرياً حول الانتقال الديمقراطي في السودان عقب ندوة فكرية عامة بعنوان (أزمة الدولة الوطنية: السودان والطريق للحكم المدني)، ويشارك فيها مثقفون سودانيون من توجهات سياسية وفكرية مختلفة”. وأضاف: “هي مبادرة سودانية خالصة وأن المركز وافق على استضافتها على أساس الفائدة الأكيدة للسودان وشعبه”.
وقد حمل توضيح المركز مدلولات استند عليها بعض المشككين في الغايات لإثبات فرضية أن ما يحدث في لقاء الدوحة هو بوابة جديدة لإنجاز التسوية السياسية، إذ قال التوضيح: “هذا حوار استهلالي بين قوى متقاربة تمهيداً لحوار بين قوى أخرى لاحقاً وصولاً إلى حوار جامع بين كل القوى السياسية في السودان”.
وأشار البعض إلى أن التوضيح قد أظهر تناقضات بداخله حول دقة وصف المشاركين، ففي الوقت الذي يقول إنهم مثقفون سودانيون من توجهات فكرية وسياسية مختلفة، يعود ويصفهم مجدداً بأنهم قوى متقاربة سوف تتحاور بالتعاقب مع قوى سياسية أخرى تمهيداً لحوار أوسع مع الجميع.
تسمية رئيس وزراء:
الكاتب والسياسي “محمد جلال هاشم” قال إن مثل هذه اللقاءات ينبغي أن تقف خلفها جهات معلومة وتكون صاحبة الفكرة وتقوم بالتنظيم، بالإضافة إلى ضرورة الإعلان المسبق عن مثل هذه المشاريع بمجرد تلبورها من حيث الفكرة والتمويل من باب الشفافية حتى لا تدخل في دائرة المشكوك في أجندتها الماورائية.
وتوقع “جلال” أنه وبعد إعداد مسودة الدستور من قبل لجنة المحامين التسييرية لم يبق غير تسمية رئيس الوزراء “حمدوك جديد” ـ بحسب وصفه ـ لقيادة المرحلة القادمة، مشيراً إلى أن هذه اللقاءات هي سلسلة لقاءات أخرى بغية خلق اصطفاف “التوائي” وراء الشخصية “الحمدوكية” القادمة.
وكشف “جلال” عن أنه تحصل على معلومات تشير إلى أن أكثر المرشحين لهذا المنصب أو الدور هو “بكري الجاك” ـ مثقف وأستاذ إدارة وسياسة عامة بالجامعات ـ وأوضح في مقال له، أن من رشحه هم أشخاص من “السنابل”، بالإشارة إلى حزب المؤتمر السوداني.
أصل الحكاية:
بالرجوع إلى بداية الجدل حول لقاء مركز دارسات النزاع أو ما عرفت إصطلاحاً “ورشة الدوحة”، نلحظ أنه بدأ بشكل مضطرد بعد أن أوردت الصحفية “درة قمبو” في صفحتها إعلاناً عن استضافة المركز لمنتدى يضم قوى الثورة السودانية بما فيها قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ولجان المقاومة، وناشطين في الثورة، وصحفيين، للنقاش حول مستقبل البلاد في المرحلة المقبلة وكيفية الاتفاق على شكل ومشاريع استئناف الانتقال والاستعداد للانتخابات.
بعد هذا الإعلان تسابقت لجان المقاومة في إصدار بيانات تنفي تلقيها أي دعوة، مع التأكيد على عدم مشاركتها عبر أي ممثلين، بينما انبرى آخرون في تدبيج التوصيفات باعتبارها قطعاً لطريق الثورة ومحاولة إجهاضها من قوى الهبوط الناعم، وتدويلاً لقضية السودان، أو كما قال الحزب الشيوعي في آخر تعميم له عبر صحيفة الميدان.
قواعد تحظر المشاركين من التصريح:
في الندوة التي أعقبت اللقاء التفاكري التي جاءت كما ذكرنا آنفاً بعنوان “أزمة الدولة الوطنية: السودان والطريق إلى الحكم المدني”، قدمت ست أوراق، منها ورقة من القيادي السابق بتجمع المهنيين والأستاذ بجامعة الخرطوم د. محمد المصطفى، كذلك ورقة من الناشطة النسوية ومديرة شبكة القرن الأفريقي “هالة الكارب”، وأخرى من “رشا عوض” ـ صحفية ناشطة سياسية وغيرهم.
بالمقابل، لا بد من الإشارة إلى أنه لم يتم الكشف عن أجندة “ورشة الدوحة” المطروحة للنقاش، بل وفُرض طوق من السرية حول مداولاتها.
“سودانية 24” حاولت التواصل مع بعض المشاركين الذين أفادوا بأن القواعد تحظر المشاركين التصريح للإعلام، منوهين إلى أن المركز سيصدر بياناً في نهاية الورشة.
إلى ذلك، يقول الصحفي والمحلل السياسي “قرشي عوض” كون هذه الورشة مغلقة ولا معلومات عنها حتى الآن هذا مؤشر غير جيد، لافتاً إلى أن مناقشة الوضع السياسي خارج السودان يطرح أسئلة إضافية عن مصلحة الجهة ودورها في رسم المخرجات.
ويرى “قرشي” أن هناك تسوية سياسية يعد لها من محاور دولية وإقليمية، معززاً احتمالية تسمية رئيس الوزراء بعد إنتهاء الورشة، ونوه إلى أن كل المشاركين من صحفيين وسياسيين من أنصار تيار التسوية.
واستبعد ما ذهب إليه البعض بأن الاستضافة من مركز دارسات لا يمثل رأي قطر أو أي اتجاهات أخرى، قائلاً إن المركز مثله مثل المراكز الأخرى التي تلجأ له الدول في الغرب والعالم العربي لصناعة القرار.
المركز نفسه حاول تصدير معلومة بأن الاستضافة لا علاقة لها بسياسة قطر الخارجية التي تفضل حواراً جامعاً بطبيعة الحال، مع التشديد على أنه مؤسسة أكاديمية بحثية، لكن الواضح أن ذلك _أيضاً_ لم يقنع المشككين الذين حاول بعضهم ربط الورشة باعتبارها امتداداً للقاءات سابقة أجريت في قطر مع حركة “مناوي” الذي زار الدوحة خلال الأيام القليلة الماضية.
قطر والإسلاميون:
كذلك، لم يُخفي بعضهم تخوفه بأن ظهور “قطر” على المشهد قد يكون مؤشراً لحدوث تسوية سياسية تشمل الإسلاميين، على أساس أنها رعت تنظيماتهم لفترات طويلة، لكن “قرشي عوض” يخالف هذه الرؤية ويقول: “إنه ليس بالضرورة أن يكون هناك تطابق بين أجندة الإسلاميين وقطر”، وأبان أن الدوحة ارتبطت بالإسلاميين بهدف فك العزلة المضروبة عليها من الأنظمة العربية المنحازة إلى الإمارات والسعودية، بالإضافة إلى أنها لعبت على محور الجماهير التي تحظى بها في العالم العربي والإسلامي، لكن في السودان الوضع مختلف لأن هنا ثورة قامت ضدهم، فالرهان عليهم خاسر، ودولة كقطر لا يمكن تبني عليه.
وفي سياق متصل، قال “قرشي” إن ما يحدث في الدوحة مؤامرة وتسوية لا تستجيب لخيار الجماهير بالتالي لا يعول عليها، مشيراً إلى أن قوى الثورة في الشارع بدأت في ترتيب أوضاعها في اتجاه مختلف، عبر التوقيع على الميثاق الثوري لسلطة الشعب الذي حوى كل التفاصيل المتعلقة بانتقال السلطة ومهامها في الفترة الانتقالية وهياكلها وطبيعة الاقتصاد.
ومضى أبعد من ذلك حين أشار إلى أن قوى التسوية نفسها بعد إطلاق سراح الفلول وعودتهم وإطلاق سراح قتلة الشهداء، وجدت نفسها في وضع محرج جداً يضعها مباشرة في خانة التنصل المباشر من الثورة.
قوى الحرية والتغيير والتسوية:
لم يختلف كثيراً المحلل وعضو المكتب السياسي بحركة حق ـ المجلس المركزي ـ مجدي عبد القيوم، مع احتمالية أن ورشة الدوحة تأتي في إطار التسوية السياسية المرتقبة، وقال: “على الرغم من أنه لم يتسرب أي شيء عما يدور في الدوحة إلا أنه قطعاً وبالنظر لتطورات المشهد السياسي لا تخرج الورشة عن إطار التسوية الجاري الإعداد لها، بل ربما كان منبر الدوحة معيناً بوضع اللمسات الأخيرة فهذا التعتيم الإعلامي نفسه دليل على أن المنبر يناقش قضايا مفصلية تتضمن اتفاقيات يخشى منظمو المنتدى إفسادها حال تسربت”.
وأضاف: “من المؤكد أن ينجز المنتدى مسودة ليست أولية فحسب بل نهائية، تمثل أساساً يبنى عليه كل ما يندرج في إطار التسوية”.
وعن مشاركة تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بوصفهم جزءاً منه قال عبد القيوم: “لا علم لي بمشاركة وفد رسمي يمثل قوى الحرية والتغيير أو غيره من التحالفات، ولكني أعتقد أن طبيعة المنتدى لا تحتمل ذلك، ومن الممكن مشاركة شخصيات تحسب على هذا التحالف أو ذاك، من هذه التشكيلات القائمة حتى الآن كمسميات مع أنها سياسياً انتهت وتجاوزتها الأحداث وقيام المنبر نفسه يدلل على ذلك”.
أخيراً :
طوق السرية المضروب على الورشة قلل من حجم المعلومات الواردة منها لكنه طرح سؤالاً إضافياً -بعد حقيقة الغايات وطبيعة الأجندة- ما قدرات المجتمعين في الدوحة على إحداث اختراق حقيقي يؤسس لعملية سياسية تقود البلاد من حال انغلاق الأفق العام، ولأي مدىً يمكن أن تتقبل قوى الثورة مخرجاتها..؟