الخرطوم . ترياق نيوز _ تقرير _ عبدالباقي جبارة
لعل أكثر القرارا ت الاقتصادية حساسية هي القرارات المرتبطة بالسلع الاساسية التي تمس المواطن مباشرة ، حيث دائما ما تتقاطع فيها المصالح بين عدة جهات ابرزها الرأسمالية الطفيلية التي تسعى للكسب السريع ، الجهة الثانية وهذه تعمل في الخفاء هم كبار الموظفين الذين يتحالفون مع بعض التجار على حساب آخرين وهم الذين يمارسون التضليل على متخذي القرار عبر تقاريرهم المضروبة ، اما الجهة الثالثة هي متخذة القرار الاقتصادي سواء كان الوزير او اللجنة الاقتصادية التي تنفذ السياسة العامة للحكومة ، واتخاذ القرار دائما هدفه الاساسي حفظ التوازن بين النظرة الاقتصادية الاستراتيجية للحكومة ومصلحة المواطن الآنية ، اما الطرف الرابع هو المواطن الذي ينعكس فيه أثر القرارات ويتأثر بها سلبا أو ايجابا .
المعطيات أعلاها ” ترياق نيوز ” سعت لقراءتها من خلال سلعة السكر التي تعتبر سلعة اساسية للشعب السوداني الذي يعتبر أكبر مستهلك لهذه السلعة في المنطقة ان لم نقل في العالم ، ومحاور قراءتنا لهذه السلعة تدور حول حجم الاستهلاك لسلعة السكر ، حجم الانتاج المحلي ، حجم الاستيراد المطلوب ، قرارات وزارة التجارة المتعلقة بسلعة السكر والمحور الاخير هو الكيفية التي تطبق بها هذه القرارات والآثار المترتبة عليها سواء كانت سلبية او ايجابية ، استندنا في هذا التقرير على بعض الوقائع المثبتة مثل المعلومات التي موجودة في موقع وزارة التجارة الرسمي او تصريحات مسؤلين في وسائل اعلام رسمية وكذلك آراء بعض الخبراء .
حجم الاستهلاك :
حسب الرصد السنوي ومتابعة الانتاج المحلي زائدا الاستيراد ان الاستهلاك يتجاوز بقليل ال 2 مليون طن من السكر .
*حجم الاستهلاك ” الاستيراد + الانتاج المحلي ” :
14- فبراير 2021 م و في تصريح نسبته صحيفة الحراك السياسي للسيد / الرشيد اسحق مدير شركة السكر السودانية ان تقديراتهم للسكر المستورد حوالي 1.8 مليون طن سنويا لكن و بحسب المعلومات المنشورة ان المصانع المحلية ( شركة سكر كنانة و شركات السكر السودانية الاربع) تنتج على الاقل حوالي 400 الف طن سنويا .
* الحديث عن تهريب السكر :
و لعل حديثه عن ان السكر يتم تهريبه الي دول الجوار بكميات كبيرة يرى بعض الاقتصاديين بان هذا الحديث عن التهريب فيه نوع من المبالغة اذ ان تهريب السكر الي تشاد بالذات فيه كثير من المخاطر مثل تكلفة الترحيل العالية و مخاطر الطريق و طبيعة السلعة نفسها فالسكر من نوع البضائع التي لا يمكن تهريبها الا في شكل كميات كبيرة عبر شاحنات كبيرة وان الشاحنات لا بد لها ان تسلك الطرق المضمونة و التي تغطيها الشرطة بالاطواف الامنية و لا يمكن باي حال من الاحوال تهريبه باستخدام العربات الصغيرة لكن هذا لا يمنع وجود محاولات للتهريب لكنها قطعا كميات محدودة لا يمكن الحديث عنها بهذا التهويل .
* الواقع في شركة السكر السودانية :
شركة السكر السودانية انتجت هذا الموسم 15% من حجم الانتاج المخطط
ما لا يعلمه العديد من المتابعين ان شركة السكر السودانية نفسها ليست مؤهلة حاليا بالقدر الكافي الذي يمكنها من المساهمة في توفير عرض كافي للسلعة سواء كان من الانتاج المحلي او الاستيراد و الحديث حول الانتاج المحلي نتركه لخبير شركة السكر نفسها د صلاح الدين عبد القادر مختار الذي اوردت له صحيفة سودارس الالكترونية نقلا عن صحيفة الراكوبة الالكترونية بتاريخ 14/06/2021 انه
” بلغ إنتاج شركة السكر السودانية فى الموسم 2008/2009 ٬ 356 ألف طن سكر و الشركة مؤهلة لتنتج 400 ألف طن٬ و قدر إنتاج الموسم الحالى 2020/2021 ب 135- 140 ألف طن سكر. و لكن و قد توقفت المصانع ما عدا الجنيد٬ لم يبلغ الإنتاج 55 ألف طن سكر بنقص أكثر من 300 ألف طن من الموسم 2008/2009 ( انتهي ) هذا التقرير يؤشر الي ضعف اداء شركة السكر السودانية و ان وزير الصناعة نفسه قد اعلن تخوفه من انهيار وشيك لصناعة السكر في السودان كما جاء على لسانه في صحيفة التحرير بتاريخ 19/06/2021 م
كما ان شركة السكر السودانية وحسب مصادر تحتفظ ” ترياق نيوز ” بالاشارة اليها بانها غير مؤهلة للدخول في مجال الاستيراد لانها لا تملك النقد الاجنبي الذي يمكنها من الوفاء بقيمة الاستيراد لسبب بسيط وهو انها شركة حكومية و الحكومة نفسها و بحسب السياسة الاقتصادية المعلنة ( سياسة التحرير ) انها تسعى بقدر الامكان الي الخروج من دائرة استيراد كافة السلع لصالح القطاع الخاص بما فيها حتى السلع الاستراتيجية الاخرى مثل الوقود فكيف تفكر في الدخول مرة اخرى عبر استيراد سلعة السكر و قد فشلت بالفعل اي شركة السكر السودانية في استيراد طن واحد من ال 300 الف طن التي صدقتها لها وزارة التجارة و التموين في فبراير 2021 م
و قد اوهمت السيد الوزير علي جدو بانها قد تمكنت من استيراد هذه الكمية فصدقها اذ خرج الي الراي العام عبر صحيفة الحراك السياسي بتاريخ 18/03/2021 ليعلن ان الحكومة قد استوردت كميات كبيرة من سلعة السكر وهو تصريح يجافي الحقيقة .
* السمسرة في تصاديق السكر :
الوزارة مهدت الطريق لعودة السمسرة في تصاديق السكر حيث
في سبتمبر من العام الماضي وحينها كان على سنام الوزارة مدني عباس مدني اصدرت وزارة التجارة و الصناعة قرارا حجرت بموجبه استيراد سلعة السكر واشترطت موافقتها المسبقة و جاء ذلك ضمن منشور بنك السودان بالرقم 20/2020
و لا تدري اي الوزارة انها مهدت الطريق لعودة ممارسة قديمة كانت تتم عبر وزارة التجارة في العهود السابقة و هي تجارة التصاديق و قد عادت بالفعل عندما منحت التصاديق لشركات غير مؤهلة من حيث الخبرة في مجالي الاستيراد و التوزيع الداخلي و الاستعداد المالي مع المؤسسية في ممارسة النشاط ليس هذا فحسب بل ان التصاديق قد منحت في احيان كثيرا لشركات لم تسورد سكر على الاطلاق من قبل و لا علاقة لها به فقامت ببيع التصديق للمستوردين الحقيقين و قبضت مليارات الجنيهات دون اي مجهود وحسب مراقبون قد يصل بيع التصديق الى “١٠٠” مليار جنيه ولكن قطعا هذا نوع من الفساد يتحمله المواطن باعتباره كلفة اضافية يحتسبها المستورد ضمن تكاليف الاستيراد مثلا تتحدث المجالس عن ان الوزارة قد منحت تصديق لشركة مشهورة تعمل في مجال صناعة الصابون و اخرى في مجال الطرق و الجسور ” نحتفظ باسماء هذه الشركات ” و” يمكن لمتخذي القرار التعرف عليها بسهولة عبر مراجعة التصاديق التي صدرت منذ اتخاذ هذا القرار ” و قد ضحت الاسافير بمواقع تعرض تصاديق للبيع بالمليارات .
* ما هي شروط الاستيراد :
و الامر الذي شجع الطفيلين على هذه الممارسة هو ان الوزارة لم تضع و لم تنشر عبر اي وسيلة حتى الان التدابير و الضوابط و المؤهلات التي تمنح بموجبها تصديق استيراد السكر للمستورد طالب التصديق مثل الخبرة ( بعدد السنوات ) المقدرة المالية – حجم الاستيراد السنوي – خلو طرف من الضرائب و الزكاة – تسهيلات الترحيل و التوزيع – نقاط البيع او وكالات البيع الموزعة على الاسواق الرئيسية و الي ذلك من المؤهلات التي تطلب في مثل هذا النوع من النشاط و التي تمكن الوزارة في نفس الوقت من المراقبة المرحلية و الانية والتقييم الواقعي لسياستها و عبر الحصول على المعلومة الدقيقة التي تعينها على مراقبة حجم العرض ، و مستوى الاسعار و التخطيط لتفادي الاختناقات و لن يمون لها ذلك الا بالتركيز على المؤهلين فقط دون احتكار بالطبع و ذلك لخطورة السلعة و لان حجم الاستهلاك يعتمد بنسبة 80% على المستورد .
* وزارة التجارة تعرقل الاستيراد برغم خطورة العواقب :
على الرغم من ان كافة التقارير و المعلومات التي اوردناها اعلاه تؤكد ان الطلب على سلعة السكر يتم تلبيته بعرض نسبته اكثر من 80% من المستورد الا ان مصادرنا قد اكدت لنا ان وزارة التجارة و التموين قد اوقفت اصدار التصاديق منذ اكثر من شهرين اعتمادا على ان ما تم تصديقه يعتبر كافيا لكنه ربما يكون كافيا من الناحاية النظرية على الورق بيد انه لن يتم تنفيذ نسبة كبيرة من التصاديق التي صدرت خلال الفترة السابقة الامر الذي ينذر بحدوث مشكلة في عرضه قريبا خاصة و ان عمليات الاستيراد بما فيها التفريغ و الترحيل الداخلي تحتاج الي اكثر من شهرين .
بناءا على هذه المعلومات بعتبر هذا التقرير بمثابة رسالة تنبيه للسيد/ وزير التجارة و التموين باعتباره حديث عهد بهذا الموقع قد يفوت عليه الكثير وتمر خلاله كثير من القرارات الخاطئة وعليه يستوجب ضرورة مراجعة التصاديق التي صدرت قبل شهرين او اكثر و التأكد من مستوى التنفيذ لحجم الكميات المخطط لتفيذها و التحقيق في ممارسة بيع التصاديق و مراجعة تقارير الجهات المعنية و ادراك ما يمكن ادراكه قبل ان ” يقع الفاس في الراس ” خاصة و ان الوزارة مقبلة الاسبوع القادم على حملة ضبط الاسواق و التي نرجو ان تكون موفقة وهذا الضبط يحتاج توفر السلع دون تشوهات . .. يتواصل لكشف المزيد من الممارسات .. ان شاء الله