اخبار

تقرير تحليلي معمق: تصاعد النزاع في جنوب كردفان وتداعياته الإنسانية والسياسية

متابعات : ترياق نيوز

شهد إقليم جنوب كردفان تصعيداً عسكرياً خطيراً مع تجدد المواجهات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (SPLM-N) بقيادة عبد العزيز الحلو، والقوات المسلحة السودانية، تتزامن هذه الأحداث مع تحركات عسكرية مكثفة، وقصف مدفعي استهدف مناطق مدنية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وتصاعد موجات النزوح نحو مناطق أكثر أمناً.

يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل معمق لتطورات النزاع، مع التركيز على السياق السياسي والعسكري والإنساني للأحداث الجارية في كادقلي والمناطق المحيطة بها.

خلفية النزاع: جذور الأزمة وتطوراتها الأخيرة

تُعتبر ولاية جنوب كردفان واحدة من أكثر المناطق توتراً في السودان منذ اندلاع النزاع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عقب انفصال جنوب السودان عام ٢٠١١ تصاعدت حدة التوترات نتيجة الخلافات حول قضايا الهوية، تقاسم السلطة والثروة، والتمييز السياسي والإقتصادي ضد سكان المنطقة.

خلال الأشهر الأخيرة، شهدت الأوضاع تصعيداً ملحوظاً مع إنهيار جولات المفاوضات بين الطرفين، مما دفع إلى عودة لغة السلاح كوسيلة لحسم الخلافات. بدأت آخر موجة من التصعيد العسكري في ٣٠ يناير ٢٠٢٥ عندما شنت القوات المسلحة السودانية هجوماً واسع النطاق على منطقة الكويك، تبعها قصف مدفعي مكثف على مواقع الحركة الشعبية في حجر المك ومناطق أخرى داخل كادقلي.

تفاصيل التصعيد العسكري: إستراتيجية الهجوم ورد الفعل

في الساعات الأولى من ٣ فبراير ٢٠٢٥، قامت القوات المسلحة السودانية بشن هجوم واسع النطاق ضد مواقع الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، شمل الهجوم قصفاً مدفعياً مكثفاً لمناطق مثل: كيقا، سرف الضي، تلو، الدشول، حجر المك.

رد فعل الجيش الشعبي:

تصدت قوات الجيش الشعبي للهجوم بأستخدام تكتيكات الدفاع المتقدم، ما أدى إلى تكبيد القوات الحكومية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ووفقاً لمصادر ميدانية، فقد دُمرت عدة آليات عسكرية، واستولت قوات الجيش الشعبي على كميات من الأسلحة والذخائر.

إلا أن خطورة الموقف تكمن في إستهداف مناطق مأهولة بالسكان المدنيين، ما تسبب في وقوع ضحايا أبرياء وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك المرافق الصحية والتعليمية.

تداعيات إنسانية كارثية: خسائر بشرية ونزوح جماعي

الخسائر البشرية:

أسفر القصف المدفعي على مدينة كادقلي عن مقتل ما لا يقل عن ٤٠ مدنياً وإصابة أكثر من ٧٠ آخرين، وفقاً لتقارير صادرة عن منظمات إنسانية محلية. تشمل الضحايا نساءً وأطفالاً، مما يسلط الضوء على الطابع العشوائي للهجمات، التي لم تميز بين أهداف عسكرية ومدنية.

أزمة النزوح:

تسببت العمليات العسكرية في نزوح مئات العائلات من مناطق النزاع نحو مناطق أكثر أمناً، خاصة باتجاه الحدود مع جنوب السودان، حيث لجأ النازحون إلى مناطق مثل: روينق، شمال بحر الغزال.

يواجه هؤلاء النازحون ظروفاً إنسانية قاسية بسبب نقص المياه، الغذاء، والخدمات الصحية.

الوضع الصحي:

تعاني مستشفيات كادقلي من نقص حاد في الإمدادات الطبية، ما يعيق القدرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الجرحى. حذرت شبكة أطباء السودان من أن استهداف المرافق الصحية يمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، داعيةً المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية المدنيين.

أبعاد الصراع: قراءة في المشهد السياسي والعسكري

البعد العسكري:

تكشف طبيعة الهجمات عن تحول إستراتيجي في تكتيكات القوات المسلحة السودانية، حيث ركزت على القصف المدفعي المكثف قبل التقدم البري، في المقابل، أظهرت قوات الجيش الشعبي قدرة كبيرة على الصمود والمناورة العسكرية، مما يعكس مستوى التنظيم والخبرة الميدانية التي إكتسبتها عبر سنوات من النزاع.

البعد السياسي:

يأتي هذا التصعيد في وقت يشهد فيه السودان حالة من عدم الأستقرار السياسي، مع تعثر جهود التسوية السلمية وانقسام القوى السياسية بين معسكرات مختلفة. يُعتبر الصراع في جنوب كردفان جزءاً من مشهد أكثر تعقيداً يرتبط بصراعات السلطة بين النخب السياسية السودانية.

السؤال الرئيسي:

هل يُعتبر هذا التصعيد محاولة لإعادة رسم خريطة السيطرة على الأرض؟

أم أنه مجرد ضغط عسكري لانتزاع مكاسب سياسية في المفاوضات المستقبلية؟

ردود الفعل المحلية والدولية

أثار التصعيد العسكري موجة من ردود الفعل الغاضبة على المستويين المحلي والدولي:

مبارك أردول، القيادي بالكتلة الديمقراطية، وصف القصف بأنه “مجزرة مروعة”، مشيراً إلى معاناة المدنيين في ظل نقص المعدات الطبية.

شبكة أطباء السودان دعت إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي لحماية المدنيين وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الإنتهاكات.

منظمات حقوق الإنسان الدولية طالبت بفتح تحقيق دولي حول استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية، محذرة من تحول الوضع في جنوب كردفان إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة.السيناريوهات المحتملة: إلى أين يتجه النزاع؟سيناريو التصعيد:

إستمرار العمليات العسكرية قد يؤدي إلى توسع دائرة النزاع لتشمل مناطق جديدة، مما يهدد بانفجار أزمة إنسانية أوسع نطاقاً.

سيناريو التهدئة:

في حال وجود ضغط دولي وإقليمي مكثف، قد يتم إجبار الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن ذلك يتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية من كلا الجانبين.

سيناريو الجمود:

إحتمال استمرار الوضع الحالي دون حسم عسكري أو سياسي، مما سيؤدي إلى استنزاف طويل الأمد لكلا الطرفين وتفاقم معاناة المدنيين.الحاجة إلى حلول مستدامةيكشف التصعيد الأخير في جنوب كردفان عن أزمة عميقة تتجاوز الحدود الجغرافية للنزاع، لتشكل تهديداً للأستقرار الإقليمي ككل. إن استمرار العمليات العسكرية دون تدخل دولي جاد سيؤدي حتماً إلى المزيد من الكوارث الإنسانية.

يبقى الحل الوحيد لإنهاء هذا النزاع هو العودة إلى طاولة المفاوضات، مع توفير ضمانات حقيقية لحماية المدنيين وأحترام القانون الدولي الإنساني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى