الخرطوم : ترياق نيوز
في روايته الأخيرة التي حملت عنوان “نهر الرمان.. تجربة موت” للعراقي شوقي كريم، يسرد الكاتب كما يقول لحظات الموت التي مر بها والتي استمرت لمدة 72 ساعة، لينقل لنا هذه التجربة بطريقة سردية غرائبية، مزج بها الواقع بالخيال، والتغريب بالتجريب، وفق طريقة بنائية تخرج المتخيل لتجعله واقعا عبر تجربة موت شخصية.
وهي الرواية التي جسد فيها الصراعات بين الذات والآخر، وربما هي أول كتابة روائية عربية في موضوعها، سبقه فيها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في كتابه “في حضرة الغياب”.
السؤال الفلسفي
شوقي كريم حسن ذو جذور سومرية من الناصرية (مواليد عام 1956)، يعد واحدا من أغزر الأدباء العراقيين إنتاجا في مختلف المجالات سواء منها الأدبية أو الدرامية أو المسرحية وحتى السينمائية، فقد أصدر 16 رواية وكتب العشرات من المسرحيات وأكثر من 260 مسلسل إذاعي وتلفزيوني. ويقول عن روايته إن “ثيمة الموت تشكل الأساس في علامتها وفكرتها حين كان مبضع الجراح يجري في جسدي ببطء ليغدو البياض عبارة عن إيهامات متراكمة”.
ويضيف “مررت بتجربة موت حقيقية، كأنها تريدني أن أعيد السؤال الفلسفي، لماذا؟” وهو الأمر الذي جعله بعد الاستفاقة يسأل “ما الذي يشكله الموت من عقد داخل النفس الإنسانية التي ظلت لا تعرف من أين تأتي اللحظة الغريبة التي تنهي كل شيء دون اعتراض من أحد؟”.
ويعرض سؤال آخر في روايته “من ذا الذي يستطيع الاعتراض أو حتى مساومة الموت؟”، ولهذا فإن الرواية وفق قوله هي مجموعة أسئلة “مائجة غريبة، أثارت في أعماقي كل ما هو خارج الممكنات”، ويرى أن هذه التجربة المريرة “كنت أشعر بها حين تقدمت الروح تبعها قلب موضوع بدورق ونفس مضطربة وسيول من الحكايات الميتة”، ولهذا فإن الرواية والواقع كان يسيران معا في هذه التجربة.
ويضيف “كلما أراد القلب التوقف حثته الروح قائلة أرجوك لا تتوقف، فالكثير من الخطايا تنتظر عند عودتك فلا تتأخر”، لكن المحير بالنسبة لحسن استخلاص فلسفي روحاني “من يعتقد أن الموت عماء فهو واهم، لقد رأيت وتحدثت ومازحت وعشت صخبا”، ولم يترك الأمر، فقد سارع إلى “التدوين عبر الدخول إلى أبواب من المعارف لم يدخلها من قبل غير يوسف شاهين ومحمود درويش” وفق قوله.
وعن شكل الرواية يقول إنها “بـ7 أبواب تبدأ بلحظة فقدان الوعي نتيجة التخدير لتحدث استدعاءات داخل الجسد وصراعات بين الروح والعقل والقلب والنفس، كل يحاسب الآخر على أنه المسؤول عن إيصال الجسد إلى هذا الهمود والانكسار”. ويضيف أن الموت الحقيقي وفي الرواية “استمر 72 ساعة اشتدت بها الصراعات بين شخوص طواهم النسيان وحروب وأناس لم يرهم الميت سوى مرة واحدة”. وتكشف الرواية عن قاع من الأسرار والمعتقلات والسياسة.
تشظي الزمن ولملمته
تصف الناقدة ولام العطار رواية “نهر الرمان” أنها “تجربة موت، حيث يضع الروائي المشاهدات أمامنا”، وتضيف أنها “سيرة قلب مفتوح، وفضاء مغلق”؛ لذا تضع العطار سؤالا “هل كان الموت من يروي الأحداث، أم هي الرؤيا المختزنة التي مازحتها المخاوف؟”.
وترى العطار أن مدخل الرواية “صعب لأن الروائي يصف صالة العمليات، المكان المكلل بالبياض، والازرقاقات التي تتحرك على عجل”، وترى أن من “تلك اللحظة كانت نهر الرمان مفتاح جريء لسارد غريب النوايا”.
وقد تمكن الروائي من جمع الأحداث وإدارتها وحافظ على شخوصه وساهم بتحركاتهم، ولأنه كما تراه سومريا فقد “تمسك بسباعية الأيام، ولكل يوم مدخل وحكاية وصراع، ليأخذ متلقيه إلى نوعية كشف صعبة للغاية لأنه جعل الأعضاء تتصارع، تمنح وتأخذ”.
وعن زمان الرواية تقول الناقدة “الزمان السردي كان واسعا، متناثرا أيضا، لم يشأ لملمته، لكنه شظاه لمرات كثيرة”، وتستدرك أنه ظل “يتمسك بفرادة مكان الموت. فأمكنة الموت التي زادت على 30 مكانا، بعضها درسته الأيام، فأعاده السارد إلى الحياة في موته، وتلك هي لعبة السرد ومغايرته”.
ملهاة وفوضى
أثارت الرواية في العراق الكثير من الأسئلة، فالروائي واحد من أعمدة الأدب العراقي، وتجربته كانت معروفة للجميع أيام دخوله المستشفى، ولذلك فإن تحويل التجربة إلى رواية لم يكن سهلا لإقناع المتلقي، كما يقول الناقد صالح الطائي كون الرواية “بنيت وفق معادلة مجهولة الحدين، كونها أيضا تريد ترسيخ قيم مجتمعية كادت مفرداتها أن تندثر بسبب التحريف والخوف والمجاملة الفارغة وحتى المحاصصة”.
ويرى الناقد أن “الرواية تناقش صدى صوت حكمة العمر وتجارب الدهر التي تكدست فوق بعضها من ركامات العذاب في وطن أدمن البكاء حتى في فرحه”؛ لذلك فالروائي أراد الإسهام “في إعادة كتابة الحدث وفق رؤيته، فتبدو لنا كشبح أسطوري هلامي الشكل يتكون حسبما يكون شكل الحيز الذي يشغله والإناء الذي يحتويه”.
ويضيف أن الروائي أراد “إثبات أن الوجود الحقيقي لا ترسمه جنونات عابثة، وهو اعتراض شديد اللهجة مليء بالامتعاض والسخرية السوداوية اللاذعة التي تعبر عن حجم الألم الثابت في أعماق روح حاصرتها الهموم لمجرد أنها كانت تريد أن تبحث عن الحقيقة المغيبة، أن يشعر المرء أنه بلا وطن”.
ويُضمّن الناقد الرؤية الفلسفية في الرواية؛ معتبرا أنها “مجازفة كبيرة، وأن الفلسفة تسعى لتتحكم باشتغالات الأديب فارضة نفسها على أفكاره ورؤاه وكأنها تريد إخراجها من صومعة عذوبة الكلمة وملهاتها التي يحتاجها العمل الأدبي؛ إلى صعوبة فهمها وتعقيداتها”.
ولهذا فالرواية من وجهة نظره الطائي عبارة عن “ملهاة لا تقف عند حدود اللاممكن بل تتعداه إلى كون سري بلا ملامح تفرضه تفاهة الفوضى، فوضى ألا يعرف المرء إلى أين يتجه وإلام يريد الوصول”.
المصدر : الجزيرة