الخرطوم . حيدر اباد : صديق رمضان
طوال فترتي التي قضيتها بمدينة حيدر اباد بدولة الهند خلال شهر سبتمبر المُنصرم كنت وانا أتجول في الأسواق، المستشفيات،الأحياء السكنية، المنتزهات وغيرها من مرافق، اسأل نفسي عن هذا الشعب الفريد.
كيف استطاع مليار إنسان في حيز جغرافي مُحدد وهو دولة الهند الوصول إلى صيغة تفاهُم مُثلي قادتهم إلى التعايش السلمي بينهم برغم التباين في الأديان والأعراق والثقافات.
كيف نجح هؤلاء البشر في جعل المُستحيل مُمكناً بجمعهم لكافة التنافضات والانصهار في بوتقة واحدة عنوانها البارز تماسُك النسيج الإجتماعي الذي قاد إلى صناعة دولة مُحترمة وعُظمي تمتلك سلاح نووي واقتصاد مُتسارع النمو.
كيف تمكّنوا من الوصول إلى مرحلة التسامي فوق سفاسف الأمور بعدم الانزلاق في مُستنقع القبلية والجهوية وصراع الهوية رغم تعدُد قومياتهم واثنياتهم، من أين لهم هذه الوحدة المُدهشة والتماسك البديع، وكيف جمع بينهم هدف مُشترك وهو نهضة دولتهم.
هذا مُسلم، وذلك هندوسي، وآخر مسيحي، ورابع بوزي، هؤلاء يعبدون الله واولئك يُقدسون البقر، ورغم ذلك في حيدر اباد كنت استمتع حد الدهشة والطرب بصوت الأذان المُنبعث من عشرات المساجد المُزدحمة في الأوقات الخمسة بالمصلين، وغير بعيد عن بيوت الله توجد الكنائس والمعابد، والجميع كأنما وحدتهم “لكم دينكم ولي دين”.
وإن تسأل شخص عن ديانته فهذا عند القانون الهندي جريمة عقوبتها رادعة،وعندهم أمر مرفوض وثقافة لا جود لها بينهم، ليجسدوا التسامح في أبهى وأجمل صوره.
خلال تجوالي هنا وهناك بمدينة حيدر اباد الاستوائية الجميلة بامطارها الغزيرة وخُضرتها التي ترسم السعادة على الوجه وتغرس الارتياح في النفس، لا أستطيع الجزم بوصولي إلى إجابات لاسئلتي ولكن حاولت.
فالشعب الهندي يتمتع بالصدق،والأمانة، وكأنما مُفردة الكذب لم تجد طريقاً إليه، أما الأمانة فقد حكي لنا السودانيين الذين التقيناهم أمر مُدهش وهو عدم وجود شئ إسمه سرقة وهذه المفردة أيضاً لاوجود لها، نعم أجهزة الدولة قوية وكاميرات المُراقبة في أي مكان ولكن أعتقد أن السبب الأساسي هو أمانة الهنود فتربيتهم تمنعهم من السرقة، وهنا تبرز حقيقة “إنما الأمم الأخلاق” .
أما كيف نجح مليار هندي في التعايش فيما بينهم فإن السبب يعود إلى الوعي والتعليم الجيد، تمكّنوا من غرس القيّم في نفوس الناشئة منذ عقود فشبوا عليها حتى باتت سلوكاً ومنهج حياة، حاربوا الجهل فكان أن تغير واقعهم من فقر وخلافات إلى ثراء وتماسُك، ادركوا أن في التنوع قوة فتمكنوا من إدارته بشكل مُميز فكان أن تحول إلى إحدى رافعات تطور دولتهم.
نواصل