الخرطوم: رويترز : خالد عبد العزيز
اعدت الفصائل المتحالفة مع الجيش السوداني اتفاقا، لتشكيل حكومة انتقالية، من شأنه تعزيز سيطرة الجيش على مقاليد الأمور وتجاوز الجماعات المؤيدة للديمقراطية التي كان يتقاسم معها السلطة قبل انقلاب أكتوبر تشرين الأول، وذلك بحسب وثيقة اطلعت عليها رويترز وثلاثة مصادر مطلعة على الاتفاق.
يأتي مشروع الاتفاق مع تعرض الجيش لضغوط بسبب الاقتصاد المتدهور والاحتجاجات المتكررة المستمرة رغم حملة القمع العنيفة التي تشنها قوات الأمن.
وأدى استيلاء الجيش على السلطة إلى التحول عن مسار بعث الأمل في السودان بإنهاء عقود من الاستبداد والصراع المدني والعزلة الاقتصادية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة عام 2019.
وقالت ثلاثة مصادر من الجماعات التي تدعم مشروع الاتفاق، والذي لم يُعلن عنه من قبل، إنه شهد دعما من بعض الأحزاب السياسية المتحالفة مع الجيش، والمتمردين السابقين الذين وقعوا اتفاق سلام في 2020، وبعض الزعماء القبليين والدينيين.
وقال مصدر رابع رفيع المستوى على دراية بالمناقشات حول الاتفاق إنه صاغه سياسيون مقربون من الجيش ويلقى قبولا من الجيش.
ويتضمن بعض الإجراءات التي أشار الجيش بالفعل إلى أنه سيتخذها مثل تعيين حكومة تكنوقراط وبرلمان، للحكم حتى الانتخابات المتوقعة العام المقبل، وترشيح أعضاء الهيئات القضائية ولجنة الانتخابات.
كما أنه يرفع من مكانة الجيش باعتباره السلطة العليا في السودان، لينحرف بشكل حاد عن تقاسم السلطة بعد الإطاحة بالبشير والمنصوص عليه في إعلان دستوري ظل نقطة مرجعية حتى بعد الانقلاب.
وتقول الوثيقة، في إشارة إلى فترة انتقالية سابقة عندما حكم الجيش لمدة عام قبل الانتخابات، إن الجيش هو السلطة المؤسسية والمشرف على المرحلة الانتقالية ويتولى سلطات مجلس الأمن والدفاع، على غرار التجربة الانتقالية في أبريل 1986.
وامتنع ممثلو الجيش عن التعليق عندما تواصلت معهم رويترز.
ورفضت الأحزاب السياسية التي أيدت بقوة انتفاضة 2019 ولجان مقاومة الأحياء التي تقود الاحتجاجات الحالية علانية الحوار مع الجيش، وطالبته بالانسحاب من الحياة السياسية.
*احتجاجات مستمرة
تجمع المتظاهرون في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى مجددا اليوم الأربعاء في ذكرى اعتصام تُوج بالإطاحة بالبشير.
وقالت المصادر الثلاثة إن الجيش لا يزال يسعى لتوسيع نطاق الدعم لمسودة الاتفاق من خلال التودد إلى أكبر حزبين تقليديين في السودان هما الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة أو الفصائل داخلهما.
والتقى القائد العسكري عبد الفتاح البرهان الأسبوع الماضي بزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي خلال زيارة إلى القاهرة. كما عقد الحزب مؤتمرا في العاصمة المصرية سعيا لتوحيد الفصائل المتفرقة.
وقال البرهان في الآونة الأخيرة إن الجيش لن يسلم السلطة إلا بعد الانتخابات، وهدد بطرد مبعوث الأمم المتحدة الذي يحاول المساعدة في التوصل إلى اتفاق سياسي إلى جانب الاتحاد الأفريقي.
وقال سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج أمس الثلاثاء إنهم أجروا “حديثا صريحا وبناء” مع البرهان، وعبروا عن دعمهم لحوار يفضي إلى “حكومة انتقالية مدنية ذات مصداقية”.
وقالت قوى غربية إن مثل هذه الحكومة شرط أساسي لاستعادة مليارات الدولارات من الدعم الاقتصادي الدولي للسودان الذي تم تعليقه بعد الانقلاب.
وتنص مسودة الاتفاق على أنه سيتم إطلاق سراح السجناء السياسيين كإجراء لبناء الثقة، وهو تعهد تم تقديمه أيضا في صفقة قصيرة الأجل أعلنت بعد شهر واحد من الانقلاب لإعادة عبد الله حمدوك لمنصبه كرئيس للوزراء.
ومن بين المعتقلين حاليا قادة تحالف قوى الحرية والتغيير، الذي تقاسم السلطة مع الجيش قبل الانقلاب. وكانوا أعضاء في فريق عمل بهدف تفكيك الجهاز السياسي والبيروقراطي والمالي الذي كان يدير السودان تحت الحكم القمعي للبشير.
ويأمر الاتفاق بمراجعة عمل فريق العمل، وهي عملية مضى فيها البرهان بالفعل. وبحكم قضائي، أُعيد العديد من الأشخاص الذين أقالهم فريق العمل إلى مناصبهم في وسائل الإعلام الحكومية ووزارتي الخارجية والعدل ومؤسسات أخرى في الفترة الأخيرة.
وحذر تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد الاحتجاجات المناهضة للبشير، في بيان أمس الثلاثاء من أن حزب المؤتمر الوطني المنحل بدأ في عقد اجتماعاته مجددا وإعادة تنظيم صفوفه.
وأعلن الجيش مرارا أن جميع الأحزاب، باستثناء حزب المؤتمر الوطني، يجب أن يكون لها حرية المشاركة في المرحلة الانتقالية والانتخابات. وقال الجيش إن التناحر السياسي اضطره للاستيلاء على السلطة.