” كيمياء ” العلاقة بين السودان ومصر او مصر والسودان اول الذين يتاذون منها هم الصحفيين وذلك إذا ارادوا الكتابة عن هذه العلاقة ، سيواجهون بحساسية بالغة التعقيد لدرجة إنك قد تصنف منذ إبتدارك الكتابة إذا كنت مثلا سوداني وقدمت اسم مصر على السودان او العكس وهنا يصبح الصحفي كأب يرعى توأم ومعروف عن التوأم دائما تجد لديهم حساسية مفرطة إذا حاولت أن تميز أحدهما على الآخر ..
في حين أن هذه ميزة يمكن أن توظف توظيف أيجابي إذا لم يستغلها اصحاب النفوس المريضة أو الغرض الدنئ الذين يسعون ليل نهار لضرب العلاقة بين مصر والسودان ، لانها على الاقل علاقة يقل او ينعدم نظيرها بين دول العالم ..
لذلك تجد الاعلام في البلدين في كثير من الاحيان ينصرف الى مساءل سطحية او تسبح وسائل الاعلام عكس الفطرة الربانية هي حب السودانيين لمصر او العكس حتى وصل الأمر اذا صحفي سوداني اراد ان يثبت وطنيته عليه ان يسئ لمصر او اي صحفي مصري مغمور يجد اقرب طريق له للشهره بأن يسئ للسودانيين وأن يصف السودانيين ب ” العبيد ” و يقول السودان مجرد حديقة خلفية لمصر ، وبعدها ستجد هذا الاعلامي او الصحفي يتردد إسمه في جميع الوسائط وتنتشر صوره بكثافة ..
لكن يا سبحان الله كل مثل هذه الحوادث الشاذة التي تكررت في البلدين لم تستطع إن ترجع خمسة ملايين سوداني يعيشون في مصر للسودان او توقف تدفق عشرات الآلاف من الطلاب السودانيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية بل لم تستطع فصل الدم للأسر ذات الدم المشترك ” سوداني مصري ” بل لم تفصل التاريخ الضارب في الجذور منذ الازل وبالطبع يظل الشريان الرابط بين شمال وجنوب الوادي نهر النيل العظيم شامخا وصامدا متأهبا في مقرن الخرطوم معانقا أرض الكنانة حتى الدلتا هيبة وجمال ، الميزة الوحيدة التي يتميز بها ابناء جنوب الوادي على ابناء الشمال بأن كل سوداني عاش مصر روحا وعقلا عبر طه حسين والعقاد وهيكل وكل البعثات التعليمية منذ رافع الطهطاوي والى حينه او عبر الفن المصري الذي قدم تاريخها في قالب شيق وممتع ومغزي للعقول وهنالك من السودانيين من زاد على ذلك وعاش روحا وعقلا وجسدا في مصر ، ولكن للاسف هنالك اجيال كثيرة في مصر لا تعرف عن السودان إلا لماما واكبر دليل على ذلك اول زيارة لي لمصر وعلى هامش احد اللقاءات العملية سالتني فتاة مصرية في عشرينيات العمر ” هل السودان فيه عماير وشوارع زلط وناس ساكنين بشكل منتظم ” زهلت واكتفيت بالاجابة نعم وتساءلت في غرارة نفسي لمصلحة من تغييب هذا الجيل من معرفة وطنه الثاني وكما علمت بان هنالك جيل من شباب المصريين رسخ له في ذهنه بأن السودان وشعبه عبارة عن غابات وسهول ووديان عبارة عن مخلوقات متوحشة .. لكن للحقيقة والتاريخ كل الطبقات الواعية من شعب مصر تدرك قيمة واهمية السودان لمصر والروابط الازلية بين الشعبين وما غير ذلك في حكم الشاذ والشاذ لا حكم له ، والشاهد على ذلك بان اي سوداني مجرد تطأ قدمه مصر يشعر كانه في الخرطوم تماما ويجد معاملة كالمصري تماما بل السلطات المصرية تتحمل الحالة الفوضوية لبعض شبابنا المتسكعين في وسط البلد وسوق العتبة ، ما لم تشاهده من الشباب المصري ، وعكس ذلك ذلك السلطات السودانية تعامل نفس هؤلاء الشباب السودانيين بطريقة قاسية في السوق العربي وموقف جاكسون بالخرطوم .. وكل كذلك نراه اقل ما يجب ان تقدمه مصر لنا كابناء السودان حتى اصبحنا في طلباتنا كاصحاب ” الدستور ” او الزار “هو مرض روحي يتشهى صاحبه وعلى اهله ان يستجيبوا ” ووصل بنا الأمر اخيرا بان طلبنا من مصر تعفو وتصفح وتتجاوز عن السودانيين الذين خالفوا القوانين واللوائح والنظم التي تحكم الوجود الاجنبي في مصر وكان الرئيس السيسي حاضرا ولسان حاله يردد ” حاااضر يا إبن النيل ” فاصدر قراره التاريخي بإعفاء السودانيين المخالفين لقانون الإقامة بل منحهم ستة شهور مهلة لتوفيق اوضاعهم .. هل ذلك ارضانا ؟ طبعا لا والف لا .. لأن الطموح لشريحة كبيرة من السودانيين اكبر من ذلك بكثير ” طيب عاوز إيه يا عم ” الحريات الأربعة ؟ لا اكبر .. بل المطلوب أن تصدر وزارتا الداخلية في البلدين جنسية وجواز واحد باسم جواز وادي النيل وعملة واحدة .. ما هو حلم في حلم ..
أما الواقع ما قاله سفير السودان في القاهرة الحالي محمد الياس عند مقابلتي له في مكتبه يوليو الماضي حين سألته ماذا يدور بينك وبين السلطات المصرية بشأن العلاقة بين البلدين الرجل تظهر عليه المسحة الريفية ولغتها المبسطة والمباشرة حيث قال لي ” ياخ شوف مصر دي نحن شبعنا في الكلام العاطفي ومن البديهي جدا اي انسان مدرك عمق العلاقة بين البلدين لكن انا تحدثت مع المصريين بصراحة قلت لهم نحن في السودان دائما نشعر بانكم تعاملونا بعقلية امنية مخابراتية والواقع نحن وانتم في حوجة لنقل العلاقة الى علاقة استراتيجية ، بمعنى المؤسسات الامنية مع المؤسسات الامنية والاقتصادية مع الاقتصادية والاجتماعية مع الاجتماعية وبهذه الطريقة يمكن نرى مشروعات حقيقية على ارض الواقع لمصلحة الشعبين ثم اردف قائلا : بالفعل استجابوا وتقبلوا كلامي والآن لدينا عشرين الف فرصة في الجامعات المصرية للطلاب السودانيين برسوم رمزية لا تتجاوز ال ١٠% بمعني ان يعامل الطالب السوداني معاملة الطالب المصري وهنالك مشاريع حيوية سترى النور قريبا مثل الربط الكهربائي وكذلك هنالك لجنة مشتركة لإصلاح الاوضاع في المعابر و و و .. وكنت اقول في نفسي ” هو الكلام بفلوس ” بمعنى كثيرا ما نسمع بهذه الامنيات مثل الإحاجي التي تنتهي بضحكة فاترة او ساخنة والسلام ..
فإذا به اللهث وراء الاخبار لصحيفتنا ” ترياق نيوز ” اجد خطاب صادر من السفير المصري بالخرطوم حسام عيسى يهنئ فيه الشعب السوداني بوصول معدات الربط الكهربائي بين مصر والسودان والذي يتدرج من ٧٠ ميخاوات الى ٣٠٠ ميجاوات حتى يصل قريبا واحد الف ميجاوات ..
السؤال ماذا تعني هذه الخطوة وخاصة في وضع نحن نعيش فيه حالة اللا حكومة لغياب المؤسسات بسبب الوضع السياسي المتازم ؟ السبب بسيط هو بأن القيادة في مصر مدركة لاهمية نقل العلاقة الى خطوات جادة ومشروعات حيوية واعتقد هذه خطوات تاريخية يجب البناء عليها من أي حكومة سودانية حالية او قادمة ، واعتقد بأن الحكومة المصرية وضعت نفسها في ” التراك ” الحقيقي للعلاقة بين مصر والسودان .. وهنا لازم كلمة شكر من عمق الشعب السوداني حكومة وشعبا لمصر حكومة وشعبا لانها اعطتنا ” شبكة ” هذه المرة لان السمكة اصلا موجودة منكم ومن غيركم إعانات وإغاثات من مصر ودول الخليج والمنظمات الدولية فشكرا مصر التي خاطبت حوجتنا الحقيقية ..
حقيقة الحديث يطول عن العلاقة مع مصر .. ولعلنا اشرنا الى عنوان المقال خطوة مصر في ” النور ” وليس النور هنا كناية عن الربط الكهربائي الذي تحدثنا عنه فقط بل النور هنا نقصد به ايضا وضوح الرؤية المصرية حول اهمية الاستقرار في السودان وكذلك بدعمها للوحدة بين الاحزاب الاتحادية كنواة لوحدة السودانيين وذلك عبر المجهود الجبار الذي ابتدر به هذه الخطوة قنصل عام جمهورية مصر العربية في الخرطوم المستشار احمد عدلي ورفاقه الكرام ، للخروج من المازق الحالي وذلك ليس كما يعتقد البعض بان مصر تدعم الاتحاديين فقط لان اسم الاتحاد يأتي من باب الدعوة للاتحاد مع مصر فحسب بل لان مصر تدرك بان معظم الشعب السوداني وسطي معتدل وهو ما يميز كل الاحزاب الاتحادية لانها لا يمين متطرف ولا يسار متزمت ، ولن ينجح اي حكم للسودان الا بالوسطية المعتدلة التي تجعل الرابط بين الشعب اساسه المواطنة ، بالتاكيد كل عاقل ثمن عاليا سعي مصر الحثيث لوحدة الصف الاتحادي والذين يتخوفون من الخطوة التي تمت في القاهرة ليس في اساسها او تقليل من الجهد المبزول تجاهها لكن ياتي التخوف من ان مصر بثقلها المعروف ان تدعم من سرق ثورة تغيير الشعب السوداني التي انطلقت ضد نظام “الكيزان ” او الاسلاميين الذين عاثوا في تراب السودان فسادا كما عاثوا في العلاقة بين مصر والسودان اكثر فسادا .. كما اشار الشقيق في التجمع الاتحادي جعفر حسن الذي بعث رسالة من خلال ندوة قبل يومين قال فيها هل تريدونهم ان يعودوا الاسلاميين ليحاولوا يقتلوا حسني مبارك مرة ثانية ويفجروا سفارتي نيروبي وتنزانيا ؟ .. وذلك كناية عن ممارستهم الارهاب الفكري والمادي .. المهم هذا موضوع طويل .. لكن في الحقيقة لا بد ان نقر بان مصر لا نقول قدمت خطوة واخرت خطوة بل خطت خطوتين بحركة ميكانيكية واحدة وهذا لا تفعله اي دولة مع السودان إلا مصر ..
ولنا عودة إن شاء الله
داء الكوليرا يهدد قرى البزعة شمال شرق ام روابة ووفاة طفلين خلال (24) ساعة
متابعة : محمد أحمد الدويخ انعدام الأدوية والرعاية الطبية وأتيام التوعية أبرز النواقص للحد من انتشار المرض.. الأطفال وكبار...
Read more