اديس ابابا : ترياق نيوز
قدم الامين العام لحزب الامة القومي الواثق البرير كلمة ضافية بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل الامام الصادق المهدي عدد خلالها مناقبه وسيرته العطرة ومجاهداته ومواقفه الوطنية واسفاط ذلك على ما يجري الان في السودان من حرب دامية ..
نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
*كلمة الأمين العام لحزب الامة القومي الحبيب الواثق البرير في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الإمام الصادق المهدي 26 نوفمبر 2023*
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
في البدء أترحم على الحبيب الإمام الصادق المهدي، وعلى كل شهداء بلادي ممن إغتالتهم يد الطغيان والإستبداد والحروب اللعينة، وأتمنى عاجل الشفاء للجرحي، والعودة الآمنة للمفقودين، ونسأله تعالي أن يفرج عن شعبنا وبلادنا هذه الغمة والبلاء.
كثيراً ما يلجأ الناس في إحياء الذكرى الي سرد المآثر والمناقب وفاءاً وعرفاناً وإستخلاصاً للدروس والعبر، كلمتي هذه لا تخرج عن هذا الإطار؛ ولكنها تركز على نهج الراحل المقيم في التعاطي مع الشأن العام، كأهم ملمح في مدرسته السياسية، وعلى رؤية لإنهاء الحرب مستنيرة بهذا النهج الحقاني.
الزعيم الإمام الصادق المهدي موسوعة معرفية ومفكر عضوي وسياسي محنك، إستطاع أن يضع أسمه في تاريخ السودان بإقتدار وإستحقاق، وأن يكتب بأحرف من نور سيرة ومسيرة مليئة بالعطاء والوفاء والمجاهدة والمثابرة فأصبح نموذجاً وقدوة في السياسة والزعامة الوطنية، لا يمكن تجاوزها فكرياً وسياسياً، ومصلح يختلف الناس ويتفقون على أنه رائد الديمقراطية، وصاحب مشروع عابر للحدود يخاطب الإنسانية جمعاء، أحدث تحولاً كبيراً في التفكير السياسي ووضع السودان في مسار حركة التاريخ؛ تميز الإمام الحقاني بعمق مشروعه المتجاوز للهدر والخوض في الصراعات، وبراعته في سبر أغوار الشخصية السودانية، والتعبير المبصر عن جغرافيا السودان بكل تنوعها الثقافي والإجتماعي والإثني والديني، وإرتبط مشروعه الفكري والسياسي النظري بالجانب العملي التطبيقي والمستمد من عبقرية المكان والزمان والشخصية السودانية؛ فظل راسخاً ومتطوراً ومتفاعلاً، ومهما رفض البعض قراءاته وأطروحاته في البداية من منطلق الغيرة السياسية وغيرها؛ فإن كثيرين إستدركوا فيما بعد صحتها، وفي أزمة الحرب الراهنة قال الكثيرون لو كان الحبيب الإمام بيننا لما وصل حالنا الي ما وصل اليه اليوم، بل قال البعض ما كانت الحرب اشتعلت!
الإمام الحقاني معلم بارز في طريق الحرية والسلام والديمقراطية، وأثره باقي ومعينه لم ينضب بوفاته عليه الرضوان، بل أصبح ملهماً للأجيال.
أسمحوا لي أن أقول عبارات في شاهد الراحل وأن أجدد العهد بالتمسك بالقيم والمبادئ فقد ترك فقيدنا إرثاً سيظل مغروساً في تربة السودان الي الأبد .
أحدثكم في ثلاث نقاط:
الأولي: الحبيب الامام ضمير الشعب السوداني في محطات مصيره المختلفة:
لقد أسس الأجداد بقيادة الإمام المهدي عليه السلام سودان العزة والكرامة بنضال وكفاح ضد الإستعمار فحرروا الوطن ونقوا الدين من الشبهات والتشوهات، وظلوا حراساً لمشارع الحق وإستشهدوا من أجل الوطن والدين، وأرسوا معاني التضحية والصمود والوفاء.
أكمل الحبيب الامام الصادق المهدي ملامح المشروع المهدوي التحرري والتجديدي وقدم في ذلك التضحيات الجسام والأفكار والرؤى التي عرفت السودان وأرست أدبيات الوعي والثقافة والسياسة، فعبر عن تطلعات الشعب السوداني فكرياً وسياسياً و إجتماعياً في مواجهة التيارات الفكرية التي إجتاحت العالم من إنكفاء و إستلاب. كانت ثقته في الشعب رأس الرمح في مسيرته، التي مضت مخلصة ومصممة، لضمير هذا الشعب ورمانته فإستحق لقب رجل السودان والإنسانية. الموت ليس نهاية، فبعده يجازى الصالحون بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكما قال إبراهيم عليه السلام (واجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِيْن)، فإن ألسنة الصدق ستحفظ مآثر الحبيب الامام في ضمير الأمة.
لم يترك الحبيب الإمام الصادق المهدي سلطة تورث بل ترك إرثاً فكرياً أساسه منهج الوسطية والمرجعية الإسلامية المتجددة والتقدمية المؤصلة والإلتزام بمقاصد الدين والإيمان بالديمقراطية والحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان والحريات العامة والنهج القومي وحراسة مشاريع الحق وسطر الكتب والخطب التي تحمل هذا المشروع الفكري.
وترك مشروعاً وطنياً قوامه كرامة المواطن السوداني والسعي لرفاهيته والتأكيد علي حرياته ومنهج مقاومة الظلم والإستبداد والطغيان والفساد، وتقديم ممارسة سياسية مسئولة تعلي من مصالحة السودان أولاً بعيداً من الإبتزاز والمزايدة والنظرة الحزبية الضيقة، والتوافق السياسي والديمقراطية التوافقية والإنفتاح المبصر نحو العالم والآخر ، ومنهج نقد كل الأفكار والآراء كمدخل للإصلاح السياسي، والوقوف سداً منيعاً ضد الأفكار الهدامة وسيفاً مسلطاً علي رقاب الطغاة والغلاة والغزاة.
وترك رؤية ثقافية أثرت ساحة الثقافة والمجتمع بأدبيات تعبر عن المكنون الثقافي السوداني وتعلي من الإنسانيات السودانية وتهتم بالإبداع والفن والرياضة وتشجيع المبدعين والمثقفين؛ كان الحبيب الإمام أكثر المفكرين والسياسيين تقديما لأوراق إعتماد الفن على أساس أنه من لبنات الحضارة السودانية.
وخارجيا ترك الحبيب الإمام سمعة طيبة في كل العالم الحر فكان رمزاً للسلام والديمقراطية والوسطية وحقوق الانسان والبيئة والمياه، فتم تكريمه المستحق في كثير من دول العالم.
كان الحبيب الإمام انساناً فريداً، أضافة الي إنتاجه المعرفي الضخم في الحقل الإنساني، والحقل الحضاري، والإجتماعي، والإسلامي، والسوداني، فقد كان تميزه الحقيقي بناء وتطوير مدرسة فكرية راسخة وهندسة سياسية متجددة تمثل منهجه في الحياة العامة، تنطلق من:
• منهج تحليل الوقائع وحشد المعلومات وإنتاج الحلول العملية والعلمية.
• منهج يقوم على بناء التراكم الذي لا يعرف التناقض وإنما يبني على المراجعات والتطوير والتجديد.
• منهج يستند على القيم الإنسانية والحكم الراشد والحوكمة الديمقراطية.
• منهج شوري يرتكز على اشراك آخرين في مناقشات حول الأفكار والقضايا بغية إيجاد مقاربات تعبر عن رأي مدروس من زوايا مختلفة فكثيراً ما كان يقول ” نصف رأيك عن أخوك أو أختك “.
• منهج خلاق يقدم المؤسسية على ما سواها كمدخل لفك الاشتباك وبناء التوافق وتعزيز الحوار.
• منهج منتج يطرح الموضوع بكل أبعاده في ورقة محورية لفتح مدارك التفكير ، والإستماع الي كل الآراء ومن ثم تقديم الخلاصة والنتيجة التي تعبر عن الموقف السليم المستنبط من الحوار، وفق رؤية توفيقية، في الغالب تكون محل إتفاق أو إجماع.
• منهج يرفض أي توجه غير عقلاني وغير مؤسسي وإنفرادي، منهج حاسم في مواجهة أي شخص يرفض رأي الجماعة والمؤسسة.
• منهج يحافظ على الكسب السياسي والعمل المؤسسي والإدارة السليمة للصراع وإعلاء قيم المعرفة والمنطق في مواجهة الفوضى والعشوائية، ولا يسمح بالعمل خارج أطر المؤسسات المنتخبة.
• منهج حكيم يراعي الجوانب المتصلة بالقضايا، ويدرس كل قضية بصورة دقيقة قبل إتخاذ القرار.
• منهج يعلي من قيم النقد والاجتهاد والموضوعية وقبول الرأي الآخر والتحضن بالمبادئ والفكر والتسلح بالوعي السياسي والثوري.
• منهج لا يقبل الإسفاف وعدم الجدية أو التساهل ولا يقبل التشدد والشطط في المواقف ودائماً ما يجنح للوسطية والحقيقة فهو رمز لحماية مشارع الحق.
• منهج يتجلى في بناء المؤسسات الدينية والإجتماعية والسياسية – الحزبية – وتطويرها إستجابة للمتغيرات وتمسكاً بالمرجعيات بنهج ديمقراطي.
• منهج إستيعابي وليس إقصائي، يقدس الإرادة الانتخابية ويخلق التوازن بين كل الثنائيات وفي ذات الوقت يفتح مساحات للرأي المخالف.
في ذكري رحيله المر، ما أحوجنا الي إعمال منهجه في هذه المرحلة العصيبة في تاريخ بلادنا، فقد حافظ الحبيب الراحل المقيم على النهج القومي والإنفتاح على كل المكونات السودانية دون إقصاء، قائداً للمبادرات الخلاقة وبناء التحالفات السياسية والجبهات الوطنية والإنشغال بما يجمع ولا يفرق، مقدماً القراءات الجيدة والجديدة لإستشراف المستقبل.
ثانياً: الوطن الذي يريده الحبيب الإمام ، وماذا نحن فاعلون؟
حذر الحبيب الإمام من تراجع نضج مؤسسات الدولة وبروز الولاءات الأولية الطائفية والقبلية والجهوية بصورة تضعف الإنتماء القومي فتتقاصر الشروط المطلوبة لنجاح الدولة الوطنية عن المستويات المطلوبة. كان همه وإهتمامه إنضاج مؤسسات الدولة الحديثة، وبلورة الولاء القومي الذي يعلو على الولاءات الأولية، ويكرس الولاء للدولة الوطنية كشرط لنجاح التجربة الديمقراطية، ورسم الحقاني خريطة لهندسة السودان الذي نريده:
1- النظام السياسي: ينبغي أن يؤسس دستورياً على مبادئ الحكم الراشد، ولظروف البلاد الخاصة تقيد التنافسية المشروعة بميثاق وطني يلزم الجميع بمبادئ توافقية تحتوي على متطلبات التسبيك الوطني المنشود، وأن يراعي الميثاق المنشود كفالة المساواة في المواطنة وحرية الإعتقاد الديني فلكل حقوقه الدينية والمواطنة للجميع. وأن يوجب الميثاق إدارة لا مركزية فدرالية للبلاد. وأن ينص الميثاق على حقوق المواطنة للجميع ولكل حق الإنتماء لهويته الثقافية. وإن للإسلام مبادئ وأحكاماً في الشأن العام يكفل للمسلمين الدعوة لها ما داموا يلتزمون بالمساواة في المواطنة، وبالوسائل الديمقراطية في تحقيقها.
2- الأحزاب السياسية: أن يكون الحزب السياسي مفتوحاً لعضوية كل المواطنين إن أرادوا فلا تحصر العضوية في جماعة ذات ولاء قبلي أو طائفي معين وعضويتها تلتف حول برنامج وأن يكون الحزب السياسي مؤمنا بمبادئ الحكم الراشد وهي المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، وان يعمل على إنهاء الاستقطاب الحزبي المتجذر تاريخيا ووقف أساليب التآمر والمناكفات التي ضيعت التجارب السابقة وأن تكون أجهزة الحزب منتخبة ومساءلة.
3- النقابات: أن تتكون النقابات بقوانين تشترط أن تكون جامعة لكل أصحاب المصلحة النقابية المشتركة، فتكون النقابة ممثلة لكل أصحاب الصنعة المعنية على أساس النقابة للجميع ولكل حزبه إن شاء. ويرجى أن يجرم القانون أي محاولة لإنحراف النقابات عن دورها المشروع واستغلالها كواجهات حزبية.
4- السلام من أركان الديمقراطية المستدامة. ينبغي إبرام إتفاقية سلام تضع حداً للمظالم التاريخية، وتسكن بنودها في الدستور. إتفاقية السلام تؤسس على إزالة أسباب الإقتتال وإزالة آثاره وتداعياته.
5- النظام الإقتصادي : في وطن يشكو سكانه في كثير من الحالات من التهميش الإقتصادي والإجتماعي ونسبة العطالة العالية وكذلك نسبة الفقر والسكن في عشوائيات المدن، فإن كفالة الحريات العامة وهي شرط للديمقراطية السياسية تقود حتما لخلق السلام الإجتماعي. ينبغي إختيار نظام السوق الحر الذي يكفل حقوق الملكية الخاصة وحقوق المبادرة والتنافس و ينبغي الإلتزام بعقد إجتماعي يكفل هذه الحقوق في إطار نموذج إقتصادي تنموي عادل. الديمقراطية
الإقتصادية شرط لاستدامة الديمقراطية.
6- يتطلب نظام الديمقراطية المستدامة تحقيق حيدة الخدمة المدنية والتزامها بدور دستوري محدد وحمايتهامن الاختراق الحزبي الذي يودي بكفاءتها.
7- الإعلام: الديمقراطية المستدامة تتطلب وجود إعلام حر في كافة المجالات المسموعة والمرئية والرقمية. فالحرية الإعلامية تتطلب ترشيداً فلا بد أن تصحب الحرية مسئولية ويحال دون استغلال حرية الإعلام لتقويض الدستور.
8 – سلامة البيئة من شروط الديمقراطية المستدامة لأن لفساد البيئة الطبيعية آثاراً سلبية على بناء الوطن داخلياً وآثاراً سالبة على البيئة عالمياً، المضار على بيئة الكوكب كثيرة وتهدد إستمرار الحياة. ينبغي تحديد إلتزامات محددة لتحقيق وصيانة سلامة البيئة، إلتزامات يحميها الدستور .
9- العلاقات الإقليمية والخارجية: إن للسودان دوائر انتماء عربية، أفريقية، إسلامية، ودولية. النهج الصحيح هو أن يراعي السودان هذه العلاقات بصورة متوازنة تحقق مصالحه ومصالحها دون تدخلات في الشئون الداخلية، ودون تاجيج للحروب بل الإلتزام بالسلام وبالتعاون الأمني والتنموي ومناصرة الشعوب المضطهدة والمقهورة.
10- القوات المسلحة : هندسة البناء الديمقراطي المستدام تتطلب وجود قوات مسلحة ذات كفاءة قتالية عالية وانضباط ملزم، جيش واحد مهني قومي منضبط ومصفح ضد الإختراق الحزبي الذي يسخره لأهداف تتناقض مع الضبط والربط المنشود. المطلوب أن تلتزم القوات المسلحة بوضعها الدستوري في ظل دستور ديمقراطي يحدد كيفية مشاركتها في الشؤون الدفاعية والأمنية العليا. إن تحديد دور القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في الدستور والتزامها به من أهم أركان الديمقراطية المستدامة.
تأسياً بمنهج الحبيب الامام الراحل وهندسته السياسية؛ ما أحوجنا الي مبادرة وطنية توقف هذه الحرب اللعينة، فالوضع القائم الذي افرزته الحرب وتداعياتها وتطورات المشهد السوداني بكل أبعاده الأمنية والسياسية والإجتماعية والإنسانية يضعنا أمام مسئولية تاريخية لخلاص الوطن وإسترداد عافيته بمشروع وطني ديمقراطي يوفق ما بين التدخلات العاجلة لوقف الحرب ومجابهة تحدياتها وتعقيداتها ومآلاتها الإنسانية وإعادة الإعمار وجبر الضرر والمساءلة عن إنتهاكات حقوق الانسان الواسعة وإعادة الثقة في الشخصية الوطنية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى الإتفاق على إعادة البناء والتأسيس للتحول الديمقراطي الكامل والسلام العادل الشامل، والتي تستدعي التواضع من أجل الوطن.
على ضوء ذلك يمكن إجمال الإطار العام للخروج من الأزمة الراهنة في الاتي:
المحافظة علي وحدة السودان وسيادته عل كامل أراضيه .
قيام دولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة.
تأسيس دولة المواطنة المتساوية.
عملية سياسية شاملة لا تستثني الا المؤتمر الوطني ومن يدعم حرب ١٥ ابريل.
مؤتمر دستوري يؤسس لنظام حكم لا مركزي.
الإصلاح الأمني والعسكري المفضي الي تكوين جيش مهني قومي واحد خاضع للسلطة المدنية لإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش (القوات المسلحة ، الدعم السريع ، الحركات المسلحة، والمليشات).
خروج المنظومة العسكرية والأمنية (الجيش، الدعم السريع ، الامن، الشرطة ) من النشاط السياسي والاقتصادي.
المحاسبة علي الجرائم المرتكبة منذ انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ وحتي نهاية حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣.
سياسة خارجية متوازنة تقوم علي المصالح المشتركة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي .
فترة انتقالية محدودة ذات مهام متفق عليها.
إن دعم منبر جدة والتفاوض بين طرفي الحرب ضمن عملية سياسية شاملة تنهي حالة اللا دولة بمبادرة للمصير الوطني ضروري، ليتم الإتفاق على ترتيبات وقف إطلاق النار والعدائيات والشروع في تدابير انتقالية وعقد مؤتمر دستوري يضم كل الأطراف صاحبة المصلحة في المستقبل الوطني لتناقش القضايا التأسيسية للدولة وفق مشروع وطني يؤسس لعقد إجتماعي جديد ومشروع إقتصادي تنموي ويسبك الهوية السودانية القائمة على المواطنة ومعالجة تظلمات الماضي وإعلاء شأن الفعل السياسي الراشد، وإعادة بناء جيش مهني قومي واحد وفق مصفوفة الإصلاح الأمني والعسكري والإصلاح المؤسسي والإطار الدستوري وتحقيق السلام والعدالة الإنتقالية . هذه هي الأطر التي تتوافق مع منهج الحقاني عليه الرضوان، وأي مشروع ينحاز الي الحرب لا يعبر عن الحزب وقواعده وخطه السياسي العام ويتعارض مع مرتكزات الحزب وتاريخه ونهجه القومي المعتدل.
إعمالاً لهذا المنهج، سوف نسعى مع حلفائنا الحرية والتغيير والجبهة المدنية الديمقراطية “تقدم” لوضع حد لمعاناة شعبنا بإنهاء الحرب وفتح الطريق للاستقرار والتحول الديمقراطي، وفق قناعة راسخة تؤمن بأن الحل السياسي الشامل وتقديم التنازلات هو المدخل الصحيح لإيجاد مقاربة كسبية تطوي صفحات الحرب لصالح مستقبل واعد بإذن الله للسودان.
إن وحدة القوى المدنية الديمقراطية ضرورة لبقاء السودان ولا تقبل التأجيل، وقد تم إنجاز خطوة مهمة في هذا الشأن، كما أن “الإسلاميون” السودانيون أمام إمتحان عسير ولا خيار لديهم سوى التراجع عن دعم الحرب والتأكد بأن عقارب الساعة لن تعود للوراء وأن المستقبل يؤكد على حتمية التغيير وليس الانتكاسة، وبهذه القناعة لن نتواني في حوار مسئول مع كل مكونات الشعب السوداني لتحقيق مقاصد ثورة ديسمبر المجيدة.
ثالثاً: الحزب الذي تركه الحبيب الإمام وكيفية الحفاظ عليه وتجديد رؤاه ودمائه:
ترك الحبيب الإمام مؤسسة حزب الأمة القومي بتنظيمها المنضبط والمتجدد وببرنامجها السياسي القائم علي تجربة ثرة . ظل الحبيب يوصي علي الحفاظ علي المؤسسية، وإعمال الديمقراطية والشورى في إتخاذ القرار السياسي، والمشاركة الفاعلة للنساء والشباب وتدريب الكادر.
لقد بدأنا الترتيب لعقد المؤتمر العام الثامن؛ وعلى ضوء ذلك دارت نقاشات واسعة حول التأسيس الرابع وملامح تطوير الحزب وفق مرجعية متجددة، وصدر المنشور التنظيمي، وبدأت القطاعات في إعداد العدة لعقد مؤتمراتها، ولكن كارثة الحرب وضعتنا في تحديات أكبر وأصبحت الأولوية لإنهاء الحرب وإستعادة المسار المدني الديمقراطي، وحشد القدرات لمجابهة الكارثة الإنسانية، وفي ذات الوقت فتحنا حواراً عميقاً حول كيفية تطوير العمل المؤسسي والتنظيمي في الحزب في ظل هذه الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، بما يتوافق مع الخط السياسي للحزب وتطوير رؤاه، وبما يحقق الفاعلية والمبادرة والاسهام في الشأن الوطني، وتوسيع المشاركة للقوى الحية سيما النساء والشباب، وبما يرسخ الانضباط التنظيمي والإلتزام بالمؤسسية والديمقراطية الداخلية وفق مبادئ الحوكمة والإستجابة للتغيرات، ومازلنا في تشاور مستمر وتفكير جاد لعقد ملتقى قيادي أو مؤتمر إستثنائي لحسم هذه الأمور الهامة في ظل هذا الوضع الطارئ المعقد وفق مرجعيات الحزب الدستورية والسياسية؛ كمدخل لعقد المؤتمر العام الثامن والتأسيس الرابع.
في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الحبيب الإمام؛ أجدد العهد بأننا سنعمل في مؤسسات الحزب علي تنفيذ إلتزامنا بوصية الحبيب الراحل و إعمال دستور الحزب وإعادة البناء التنظيمي وتطوير كافة الآليات الكفيلة بتنفيذ المشروع الوطني الذي خطته مؤسسات الحزب بإشراف مباشر من فقيدنا الراحل.
رحم الله الحبيب الإمام فقد حمل الرسالة وأدي الأمانة وترك الأثر الحي من المعرفة والقيم والممارسة الراشدة، وذهب الي مقعد صدق عند مليك مقتدر. إننا نؤكد التمسك بنهجه الحقاني، ونمد ايدينا وقلوبنا مفتوحة من أجل خلاص وطننا من هذه المحنة.
والسلام عليكم ورحمة الله..