الخرطوم. وكالات : ترياق نيوز
غيب الموت في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء زعيم حزب الأمة السوداني امام الأنصار الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي عن عمر ناهز 84 عام.ونقلت جميع وكالات الأنباء وفاة المهدي الذي كان يرأس أيضا جماعة الأنصار، وسبق أن تولى رئاسة الحكومة السودانية قبل عقود.
وأوضحت مصادر عائلية لرويترز أن المهدي توفي في الإمارات بسبب فيروس كورونا المستجد.
وكان حزب الأمة أعلن في وقت سابق نقل المهدي بطائرة خاصة إلى دولة الإمارات لإجراء مزيد من الفحوصات وللاطمئنان عليه.
ويشار إلى أن الصادق المهدي سياسي بارز ومفكر وإمام طائفة الأنصار إحدى أكبر الطوائف الدينية في البلاد.
وحتى في الأسابيع الأخيرة كان يمارس دوره السياسي والديني، وأعلن بشكل قاطع رفضه التطبيع بين إسرائيل والسودان.
ويعتبر المهدي آخر رئيس وزراء ينتخب ديمقراطيا، وأطيح به في عام 1989 في الانقلاب العسكري الذي أتي بالرئيس السابق عمر البشير إلى السلطة.
بداياته
بدأ دراسة المرحلة الثانوية في مدرسة كمبوني “الخرطوم” – وواصله في كلية فكتوريا “الإسكندرية” من 1948 – 1950، ترك الكلية وهاجرا التعليم النظامي، رافضا لعدة مظاهر بالكلية تسلخ الطلاب عن هوياتهم العربية والإسلامية. ورجع لبلاده ملازما للشيخ الطيب السراج لينهل من علوم الفصحى وآدابها .
التحق الصادق بطلبة السنة الأولى لكلية العلوم في الفصل الأخير من العام حيث دخل الجامعة في يوليو 1952م وكان العام الدراسي ينتهي في ديسمبر. وكان يحضر المحاضرات صباحا، ويواصل تلقي دروس العربية من الشيخ الطيب السراج عصرا، ثم يدرس مساء للحاق ما فاته والتحضر لامتحان السنة النهائية .
نشاطه السياسي
قد انفتح ذهن الصادق المهدي للسياسة في الجامعة فقد دخلها في مرحلة احتد فيها الصراع الفكري بين اتجاهين: إسلامي وشيوعي. واحتد فيها كما احتد في السودان عامة نزاع بين تيارين سياسيين: أيستقل السودان أم يتحد مع مصر؟. ولم يكن في الجامعة في ذلك الوقت تنظيم لأمثاله من حزب الأمة والأنصار كما هو الحال اليوم وكانوا في نطاق الجامعة يعانون يتما فكريا وسياسيا. كان معه عمر نور الدائم ومهلب عبد الرحمن على طه، وكمال الدين عباس وهو من الطلبة القلائل من غير أبناء الأنصار الذين أيدوا حزب الأمة في وقت كانت الدعاية المصرية قد افترت على حزب الأمة افتراءات لصقت به وصدت عنه غالبية المثقفين السودانيين. لم يجد أولئك فئة طلابية ينتمون إليها ولكن بحكم التوجه الإسلامي قامت صداقات بينهم وبين بعض الطلبة الحركيين أمثال مدثر عبد الرحيم وحسن الترابي. وبينما كان في جامعة الخرطوم انشق من الإخوان المسلمين جماعة سميت الجماعة الإسلامية بقيادة بابكر كرار رحمه الله. وكان اتجاه هؤلاء قريبا جدا منهم لأنهم إسلاميون فكريا واستقلاليون سياسيا، ورغم التعاطف لم تقم بينهم علاقة تنظيمية بل قامت صداقة فكرية سياسية مع قادة التنظيم الجديد وهم: بابكر كرار، ميرغني النصري، عبد الله محمد أحمد، عبد الله زكريا. كان هؤلاء مؤسسون للحركة الإسلامية في الوسط الطلابي
وفق في نيل شهادة جامعية بدرجة الشرف في الاقتصاد والسياسة والفلسفة.. ونال تلقائيا درجة الماجستير بعد عامين من تاريخ تخرجه. حسب النظام المعمول به في جامعة أكسفورد.
إبان دراسته بأكسفورد شارك في عدد من الألعاب الرياضية ووصل في التنس درجة تمثيل كليته في التنافس بين الكليات ولعب كرة القدم والكريكت والقفز العالي.
أكتوبر 1964
حين اندلاع احداث الـ21 من أكتوبر 1964م اعتبرها المهدي نقطة انطلاق لتغيير الأوضاع وقد نجحت مساعيه في توحيد جميع الاتجاهات السياسية في السودان وفي جمعها خلف قيادة الأنصار في بيت المهدي وفي جعل بيت المهدي (أي القبة والمسجد الرابع الشهير بمسجد الخليفة) مركز قيادة التحول الجديد. رغم معارضة كبار البيت المهدوي للخطوة وروؤيتها ان الامر يحتاج للتريث والابتعاد عن الثورة الا انه قاد قاد موكب التشييع وأم المصلين في جنازة الشهيد القرشي، وكان ذلك هو الموكب الذي فجر الشرارة التي أطاحت بالنظام. كما كتب مسودة ميثاق أكتوبر 1964م الذي أجمعت عليه القوى السياسية
الديمقراطية الثانية
انتخب رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م، وقاد حملة لتطوير العمل السياسي والشعار الإسلامي وإصلاح الحزب في اتجاه الشورى والديمقراطية وتوسيع القاعدة، استغلها البعض لإذكاء الخلاف بينه وبين الإمام الهادي المهدي مما أدى لانشقاق في حزب الأمة وصار رئيسا للوزراء عن حزب الأمة في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتحادي في 25 يوليو 1966م- خلفا للسيد محمد أحمد محجوب الذي كان رئيسا للوزراء عن حزب الأمة .
خاض حزب الأمة انتخابات 1968م منشقا ثم التأم مرة أخرى في 1969م، ولكنه لم يستفد من قوته الجديدة بسبب انقلاب 25 مايو 1969م بقيادة جعفر محمد النميري .
انقلاب النميري
بعد وصول النميري إلى السلطة قاد حملة ضد حزب الأمة القومي اعتقل على اثرها الصادق المهدي ثم تعرض لمحاولة اغتيال. أبعد الصادق عن الكيان واعتقل في 5 يونيو 1969 في مدينة جبيت بشرق السودان ثم حول لسجن بور تسودان ثم اعتقل بمدينة شندي، ثم نفي إلى مصر ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثم أرجع لسجن بور تسودان معتقلا حتى مايو 1973.
أطلق سراحه لعدة أشهر ثم اعتقل بعد انتفاضة شعبان سبتمبر 1973م والتي تجاوب معها الشارع وهزت النظام ولكنها لم تلق أي تجاوب عسكري كما استعجل في خطواتها بعض السياسيين، عاد الصادق بعدها نزيلا بسجن بور تسودان (من ديسمبر 1973- حتى مايو 1974م) وكتب خلال هذه الفترة: “يسألونك عن المهدية”، وفي السجن تعرض لوعكة صحية وأوصى الطبيب الدكتور أحمد عبد العزيز بسفره للخارج للعلاج، وقد كان .
في 8 سبتمبر 1983م أعلن النظام المايوي ما أسماه الثورة التشريعية، التي اعتبرها السيد الصادق المهدي أكبر تشويه للشرع الإسلامي، وعقبة في سبيل البعث الإسلامي في العصر الحديث، وجاهر بمعارضتها في خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1403هـ الموافق 18 سبتمبر 1983م، فاعتقله النظام المايوي (في 25 سبتمبر 1983م
أطلق سراحه في ديسمبر 1984م. فخرج يقود المعارضة للنظام من الداخل ويتناغم مع الغضبة الشعبية التي أثمرت ثورة رجب/إبريل 1985م.
أبريل 85
بعد نجاح ثورة ابريل 1985 تشكلت حكومة انتقالية عمرها عام واحد و جرت بعدها انتخابات عامة ( إبريل 1986م) حصل حزب الأمة فيها على الأكثرية، وانتخب السيد الصادق رئيسا للوزراء .
انقلاب الانقاذ
اعتقل الصادق المهدي في 7/7/1989م وقد كان بصدد تقديم مذكرة لقادة الانقلاب وجدت معه. حبس في سجن كوبر حتى ديسمبر 1990. في 1 أكتوبر 1989م تعرض للتصفية الصورية والتهديد فكتب شهادته عن فترة حكمه: كتابه عن “الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة”. وفي أكتوبر 1989م وقع مع قادة القوى السياسية الموجودين داخل السجن “الميثاق الوطني”.
في ديسمبر 1990 حوّل للاعتقال التحفظي في منزل زوج عمته بالرياض (بروفسور الشيخ محجوب جعفر)، حيث سمح لأفراد أسرته بمرافقته.
أطلق سراحه في 30 إبريل 1992 وكان تحت المراقبة اللصيقة من الأمن السوداني ومحدودية الحركة حيث لا يسمح له بمغادرة العاصمة.
رفع راية الجهاد المدني ونصح الحكام من على المنابر، وأظهر تلاعبهم بالدين وبالشعار الإسلامي لصالح الكسب الدنيوي وتشويههم له، مما عرضه للتحقيقات المطولة والاعتقالات المتوالية في: 1993، يونيو 1994، واعتقال “المائة يوم ويوم” من مايو إلى سبتمبر 1995 الذي تعرض فيه للتنكيل وارتياد أماكن التعذيب التي أطلق عليها السودانيون “بيوت الأشباح”. تعرض بعد ذلك لتهديدات السلطة واستئناف المتابعة الأمنية اللصيقة، أقنعه ذلك -علاوة على ما رآه من استخدام النظام له كرهينة- بضرورة الخروج فهاجر سرا في فجر الاثنين التاسع والعشرين 9 ديسمبر 1996 قاصدا إرتريا سميت عملية الهجرة: تهتدون .
التحق السيد الصادق بالمعارضة السودانية بالخارج، وبدأ أكبر حملة دبلوماسية وسياسية شهدتها تلك المعارضة منذ تكوينها
في أول مايو 1999م استجاب لوساطة السيد كامل الطيب إدريس للتفاوض مع النظام فتم لقاء جنيف بينه وبين الدكتور حسن الترابي
في 26 نوفمبر 1999م تم لقاء جيبوتي بينه وبين الرئيس البشير وعقد حزب الأمة اتفاق نداء الوطن مع النظام في الخرطوم، وذلك تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي.
في 23 نوفمبر 2000 عاد للبلاد في عملية أطلق عليها اسم “تفلحون”، وذلك للقيام بالتعبئة الشعبية والتنظيم الحزبي والتفاوض مع النظام والاستمرار في الاتصالات الدبلوماسية
اعتقل في 16 مايو 2014م بسبب حديثه عن الفظائع التي تربكبها قوات الدعم السريع في دارفور ووجهت له تهماً تصل عقوبتها للإعدام، وأعلن نواب برلمان البشير أنه ينبغي أن توجه له تهمة الخيانة العظمى ثم شن حملة إعلامية ضارية تمهد للاغتيال القضائي، ولكن نظام البشير رضخ لضغوط كثيرة داخلية وخارجية فأطلق سراحه في يوم الأحد 15 يونيو 2014 .
في 2014/8/8م وقع باسم حزب الأمة مع الجبهة الثورية السودانية إعلان باريس الذي كان اختراقاً في الساحة السياسية السودانية بإجماع الفصائل المقاتلة على أسس الحل السوداني التي تنطوي على وسيلتين هما الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة السلمية باستبعاد الحل العسكري، وعلى استبعاد تقرير المصير لمناطق النزاع والإجماع على وحدة السودان تحت أسس جديدة عادلة.
ظل بعدها متنقلا بين عواصم العالم لململة شتات القوى السياسيثية المعارضة لنظام الانقاذ قبل ان يعود في العام 2017 ويقى هنا في الداخل على رأس عملية التنسيق بين الأحزاب والقوى المعارضة لنظام الانقاذ وحين اندلاع الثورة في ديسمبر من العام 2018 كان حزب المهدي من اوئل الموقعين على اعلان الحرية والتغيير ضمن الائتلاف الذي قاد الثورة التي اسقطت نظام الرئيس البشير في أبريل من العام 2019.