الفريق أول ركن /محمد بشير سليمان يكتب تعيين وزير الدفاع السوداني.. أهي عودة وعي أم استجابة لفروض الواقع؟
- (بالمكشوف) . سوف اتناول الحديث عن موضوع تعيين وزير الدفاع السوداني (اللواء الركن م يس ابراهيم) من عدة اتجاهات وزوايا , والتي سوف اركز فيها على القوات المسلحة السودانية بعظيم تاريخها وتليد مجدها عطاء وطنيا متميزا متخذا من الشفافية والوضوح قاعدتين ثابتتين في ذلك ‘ مع الاستناد على الوقائع التي اعلمها ان لم اكن عايشتها في مثل هذه الحالات جزء من عهد الانقاذ ‘ مرورا بعهد الحكم الانتقالي الحالي الذي لا ارى فيه أي من سمات التأسيس للدولة الوطنية هذا ان لم تكن فيه اصلا صورة جديدة تنقلنا من القديم الى الحداثة وذلك من خلال المتابعة والتحليل لما سبق ولما هو معاش الآن لمسار السياسة والحكم في هذا الوطن المأزوم بسوءآت السياسة والمفاهيم السلطانية الخاطئة والممارسات الوطنية المدمرة .
- بدأت حقيقة الخطوات السياسية التدميرية للقوات المسلحة بعد المفاصلة الشهيرة التي تمت بين الاسلاميين عند العام ١٩٩٩ ‘ والتي تم من خلالها ولادة جسمين سياسيين متصارعين تمثلا في المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي اللذين قادا ضد بعضهما البعض معارك سياسية غير راشدة ادت في ختامها الى ان استطاع المؤتمر الوطني وعبر سلطان القوة والمال والقبضة الامنية من ان يسيطر على الساحة السياسية راميا بخصومه من الطرف الآخر في السجون والمعتقلات .
- مع هذه الحالة الباطشة بالقوة والمتابعات الامنية والتقارير الكاذبة كانت المرحلة الحقيقية لتمكين السلطان لحزب المؤتمر الوطني والتي ترك امر التدبير والتخطيط لها مع التنفيذ لمدير جهاز المخابرات والامن الوطني الاسبق (صلاح قوش) وبالتنسيق مع الاجهزة الامنية الاخرى ولعل ذلك كان عند العام ٢٠٠٢ _ ٢٠٠٣ حيث كان اول ما بدأ به كخطوة لتنفيذ المخطط ان صوب سهامه تجاه اضعاف وهدم القوات المسلحة وذلك حين طلب من وزير الدفاع وقتها الفريق اول ركن بكري حسن صالح التصديق له بتسليح جهاز المخابرات الوطني بالآليات المدرعة والدبابات ليتحول من واجباته المعلوماتية الى المهام القتالية ولأن الامر كان مدبرا اصلا وبعلم الوزير فقد تم التصديق له بما طلب رغما عن المعارضة لذلم من البعض علما بأن طلب مدير الجهاز لم يعرض على هيئة القيادة ‘ ولنفاجأ من بعد ذلك بامداد قوات الشرطة بالمركبات المدرعة في الوقت الذي كان يقاتل فيه جنودالقوات المسلحة في الاحراش راجلين واقدامهم حافية , ولا شك ان كل الذي جرى مدركة اسبابه التي يقع على رأسها محاصرة القوات المسلحة ومقاومتها تنظيميا عند اي محاولة لتغيير النظام خاصة وقد لازم ذلك بداية الشك في ولائها للنظام ولذلك يمكن ان يسمي العام ٢٠٠٣ بعام التمكين القبلي والجهوي والعنصري لسلطة الانقاذ خاصة داخل جهاز المخابرات وغيره من مؤسسات امنية رسمية وشعبية ومدنية قومية , خاصة وقد تزامن هذا الوقت مع نقل الحركة الشعبية لتحرير السودان نشاطها العسكري لدارفور والذي اعقبه انشاء حركة العدل والمساواة . ليتغير مفهوم السلطة في ادارة الصراع الى مفهوم غير قومي دعمته وهي تدير مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بخطابات للقادة من النوع الذي يصنف بدرجة (سري للغاية وشخصي) وهي درجة تصنيف لا يسمح فيها بفتح الرسائل المكتوبة الا للقادة لخطورة ما تتضمنه من موضوعات وأن يتم بعد الاطلاع عليها حفظها بخزينة القائد وليس غيره , والتي جاء فيها الامر واضحا بألا يتم التجنيد تنسيبا للقوات المسلحة من بعض الجهات وذلك في اطار السيطرة على هذه القوات مع التدقيق المصحوب بالجهوية وغيرها من عناصر الولاء عند التنسيب لها مع التركيز على اعلى مستوى قيادة الدولة خاصة عند اختيار القادة في المستويات العليا هذا ودون اعتبار لعاملي الكفاءة والمواطنة ‘ ثم صحب ذلك التصفية الغربالية التي تم فيها الاستغناء عن خدمات ما يربو على ال ١٠٠٠٠ من ضباط الصف من ذوي الكفاءة تحت مظلة مطلوبات تنفيذ اتفاقية السلام للعام ٢٠٠٥ الموقعة بين حكومة السوان والحركة الشعبية لتحرير السودان . وذلك ما بات مدركة اسبابه لدى منسوبي القوات المسلحة الذين ماكان لديهم من سبيل مقاومة نتيجة للمراقبة الامنية المحكمة غير ان يبدو آرائهم خلسة مع وعدم رضائهم في مجالسهم الخاصة التي انطلقت منها ان تم تسمية الابراج التي تم تشييدها لاستيعاب وزارة الدفاع والقيادة العامة وهيئة الاركان وفروع القوات المسلحة بأسماء الجهات التي باتت تسيطر على المستوى القيادي على القوات المسلحة توطيدا لاركان الدولة الامنية .
- ظلت هذه الحالة غير السوية داخل القوات المسلحة واجهزة حماية نظام الانقاذ الاخرى دون تحسب للاقدار وتصاريف الامور وبلا اعتبار لقدرة مالك الملك لنزع سلطانه في أي وقت وحال استنادا الى اوهام ان حكمهم لن ينتهي الا بظهور عيسى بل تجاوزوا ذلك في انهم لن يسلموا سلطان الحكم الى ان يرث الله الارض ومن عليها فكان القاهر فوق عباده لهم بالمرصاد ودون غفلة ان اخذهم اخذ عزيز مقتدر وذهب بريحهم في مفاجأة ما باتت تنفع معها حسابات البشر .. ليتركوا فعلهم البئيس واقعا يجابه بعضا من المكون العسكري الانتقالي ومن بعده المجلس السيادي (ايضا بعضا من المكون العسكري) حيث برزت حالة ان اغلبية القيادة العليا من الجيش تكاد تكون من جهة واحدة هذا ان لم تكن من منطقة واحدة واحسب ان هذا الامر كان معلوما للقيادة العليا لأن القطع فيه انه امر مخطط ومدبر له في اطار السيطرة الكاملة للانقاذ على كافة مفاصل الدولة التي كانوا جزءا منها وذلك ما تثبته تسلسلات وقائع واحداث الثورة .
- وفقا لما ذكرت وسعيا لتنبيه او نصيحة قيادة المجلس العسكري الانتقالي ولجنته السياسية كان ان تقدمت بمذكرة في الاسبوع الاول من استلام سلطة الحكم منبها الى ضرورة القراءة السليمة لمكون القيادة العليا للقوات المسلحة والعمل على تجاوز الا يقعوا في خطأ الانقاذ الذي هم جزء منه عملا لإعادة هيكلة قيادة القوات المسلحة وفق رؤية قومية ابتداء بمكون المجلس العسكري الانتقالي واعتبارا لمفهوم دولة المواطنة عدلا ومساواة في التوزيغ المتوازن للمناصب القيادية تجاوزا للحال المائل والماثل وقتها والذي كان مجالا للانتقاد العلني والخفي ليس من جمهور الشعب السوداني بل قبلا من منسوبي القوات المسلحة واتبعت ذلك بمجموعة آراء بكتاباتي عن (الثورة .. مفاهيم يجب ان تصحح) فكان ان استمرت الصورة المقلوبة ودون ان ادري حال ومصير مذكرتي التي دفعت بها وما كتبت بعدها الى ان كانت المفاجأة بوفاة الفريق اول ركن جمال عمر .
- توقعت بعد وفاة وزير الدفاع ان يكون بعضا من المكون العسكري في ورطة حقيقية بحثا عن وزير يقفل الثغرة التي خلفها الوزير المتوفي وان يكون في ذات الوقت مطابقا للمواصفات وسيكون مجتهدا في ذلك حفاظا على حال حلقة المكون الجهوي والمناطقي بحثا عن تعيين وزير للدفاع من ذات الجهة او المنطقة وبالعدم فليكن من الدفعة او الشلة كبدعة اخرى باتت احد مطلوبات التعيين في المناصب العامة وان اصبحت هذه الحالة جرثومة تنخر حتى في تعيينات المكون المدني لتصبح الدولة غير الدولة .. غارقة في المحاصصات الهدامة ايضا .
- الآن وبعد تعيين اللواء الركن (م) يس ابراهيم وزيرا للدفاع المشهود له بالنضج والهدوء والكفاءة من خارج منظومة (منطقة الحجارة الكريمة) اقول وبتحليلي الخاص ان التعيين قد يكون قد جاء متأثرا بالآتي خروجا من دائرة المواصفات والرؤية الضيقة التي كانت تدار بها الدولة الانقاذية ويعين بها اهل الولاء والتمكين :-
١ . اما ان يكون قد تم وفق رؤية قومية استعدالا لصورة القبلية والجهوية التي كانت سائدة عودة للوعي ومطلوبات الدولة القومية .. او
٢ . قد يكون التعيين قد تم نتيجة لضغط الرأي العام للقاعدة العسكرية ‘ مسنودا بحديث وتعليقات كافة المجتمع السوداني وهنا يكون قد تم التعيين قد جرى من خلال مفهوم العبارة المعلومة (اخوك مجبرا لا بطل) .. - ان المنهج الذي كانت تتم به بعض التعيينات في القطاعين العسكري والمدني يجب ان يدرك ان الدولة السودانية الجديدة عبر مكونها الاجتماعي والسياسي وحتى تخرج من دائرة الهشاشة والاحساس بالظلم المجتمعي وتأسيس دولة المواطنة الحقة ما باتت تقبل دولة ولا سلطة دون ان تكون قائمة على مفهوم دولة المواطنة توزيعا عادلا للسلطة والثروة بين مجتمعاتها دون تمييز لجهة او احد مع اعتبار عاملي الرشد والشفافية .. وان المجتمع السوداني بكل كتلته الاثنية لن يكون صامتا دون ان يعطى حقوقه كاملة ووفق معايير عادلة يتقدمها معياري حجم السكان والمساهمة الاقتصادية في الدخل القومي . ودون ذلك فسوف يكون السقوط المدمر .. ولذلك سوف تظل المناداة بضرورة هيكلة القوات المسلحة وكافة المؤسسات الامنية والشرطية وفق رؤى قومية وكذلك كل مؤسسات المركز القومية .. ودون ذلك سوف نخسر وطن .. والحق احق ان يتبع .
- اختم مصوبا حديثي الى وزير الدفاع الجديد داعيا له بالتوفيق والتسديد السليم بدءا ثم طالبا منه وفي ظل التحديات الوطنية الكبيرة ان يضع من الخطط الاستراتيجية ومن الرؤى مايحقق بنا قوات مسلحة ذات معنويات عالية وهيبة لازمة وقدرات رادعة من خلال سياسة دفاعية آخذة بمعطيات واقع الامن القومي وتحدياته وفق صياغة جديدة لمفهوم هذا الامن , ثم عليه الحذر في الذي يجري من احاديث سياسية عن ضرورة هيكلة القوات المسلحة وهو حديث حق يراد به باطل بمفهوم ما يقولون فلا تنخدع بلحن القول ليتم عبرك تدمير اعظم جيش في افريقيا , ثم تهيأ بالعلم والمعرفة والتجارب والخبرات لادارة ملف الترتيبات الامنية التي تتم بمفاوضات السلام بجوبا ومن بينك اتفاقية السلام التي تمت في اديس ابابا بين حكومة ثورة مايو والانيانيا 1 بتاريخ27 فبراير 1972 واتفاقية السلام الشامل التي وقعتها حكومة الانقاذ مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005 فكان انفصال جنوب السودان انتقاصا من الحجم والامن الوطني .. بل تهديدا له .
الفريق اول ركن
محمد بشير سليمان
الخرطوم
14/5/2020