X

النساء .. خسائر مخفية في حرب السودان!

Oplus_131072

الخرطوم- طيبة سر الله

 

Oplus_131072

 

 

 

“كان الأفضل لو أنها ماتت أمامنا وقبرنا، لكن أن تختفي بهذه الطريقة ولم نعثر عليها إلى اليوم، هذا ما جعلنا حياتنا قطعة من الألم المستمر”. بهذه الجملة الموغلة في اليأس بدأ الحديث لـ”ترياق نيوز” أحمد يس شقيق إحدى المختفيات قسراً في حرب السودان التي انهت اليوم عامها الأول مخلفة ما يزيد عن 15 ألفا من القتلى وآلا الجرحى وملايين النازحين واللاجئين.
وأستطرد يس قائلا: ” اليوم لديها عشرة أشهر منذ أن أختفت، ولا نتوقع عودتها.. فقدنا الأمل نهائياً”.
ويرى أحمد أن أكثر ما أرعب أسر المفقودات هو الأخبار المتداولة عن ترحيلهن إلى خارج الخرطوم وبيعهن سبايا.

 

 

 

 

 

Oplus_131072

 

وإلى اليوم لا يعرف العدد الحقيقي للنساء المختفيات منذ بداية الحرب، وما يتم تداوله عبر وسائط التواصل الإجتماعي هو نسبة ضئيلة من الرقم الحقيقي بحسب عدد من الإفادات التي حصلتها عليها “أتـــــر” من جهات حقوقية وأمنية.
لكن في مقابل اليأس الذي سيطر على أحمد يس، هناك عشرات الذين لازالوا متمسكين بأمل عودة النساء والفتيات المفقودات إلى أسرهن، ومنهم أشواق محمد التي درجت على نشر صورة والدتها سعاد الأمين البالغة من العمر 76 عاماً، والمختفية منذ عشرة أشهر على صفحتها في موقع التواصل الفيسبوك وفي ” منصة مفقود” مرفقة بمناشدة “من يتعرف عليها نرجو منه الإتصال بالأرقام التالية” وتضع عدد من أرقام الهواتف المحلية التي أصبحت لا تستقبل المكالمات بسبب توقف شركات الإتصالات عن الخدمة في مناطق واسعة من السودان ضمنها العاصمة الخرطوم.
وتقول أشواق لـ”ترياق نيوز” أن والدتها خرجت من منزلهم في حي النصر الواقع شرق العاصمة السودانية الخرطوم في 11 يوليو/ تموز ولم تعرف مصيرها إلى اليوم.
قبل إندلاع الحرب في السودان، كانت الشرطة تتولى أمر البحث عن المفقودين من خلال تعميم نشرة جنائية على جميع أقسام الشرطة ومراكز الإحتجاز الجنائية وثلاجات حفظ الموتى والمستشفيات، لكن حالياً تقع هذه المهمة على عاتق أسر المفقودين.
أشواق لا تستطيع الخروج إلى الشارع بحثاً عن والدتها بسبب حالة الإنفلات الأمني التي أفرزتها الحرب، وتعتمد في البحث على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث تنشر باستمرار صورة والدتها مرفقة بمناشدة إنسانية توضح حالتها وعمرها، وأرقام هواتف عائلتها طالبة من المواطنين مساعدتها بالحث عنها.
وتصف محمد خروج النساء إلى الشارع في الوقت الراهن أصبح بمثابة مخاطرة غير مضمونة العواقب، وقالت “إذا خرجت المرأة في السودان إلى الشارع إما قتلت بالرصاص الطائش والدانات، وإما تم إختطافها ولم يعرف مصيرها”.
لذلك فهي عاجزة عن الخروج بمفردها من المنزل للبحث عن والدتها المفقودة.
وأصبحت قضية الإختفاء، خطراً يترصد النساء في السودان عقب إندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان العام الماضي، وتتبنى مبادرة ضحايا الإختفاء القسري وهى مبادرة حقوقية أنشأها عدد من الناشطين والمحامين السودانين مهمة تدوين البلاغات الجنائية بوقائع الإختفاء ويقول عضو المبادرة المحامي عثمان البصري أنهم تمكنوا من تدوين بلاغات إختفاء بعدد 96 امرأة في الفترة بين 15أبريل/نيسان و25 أغسطس/آب 2023 بنيابة ولاية الجزيرة قبل اجتياحها من قبل الدعم السريع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأخبر البصري ـ”ترياق نيوز” بأن عدد النساء المفقودات يتوقع أن يكون أكبر بكثير مما هو مُعلن عنه رسمياً.
وفي يونيو/حزيران من العام الماضي خرجت جهاد فصل الله وهى أم لثلاثة أطفال من منزلها بالحي الوادي الأخضر بالخرطوم تبحث عن دواء لأحد أطفالها، ولم تعود إلى منزلها.
وقال شقيقها حسام فضل الله أن شقيقته ظلت تعيش بسلام في منزلها، وليس لديها أية أسباب تجعلها تغادر المنزل، وفي يوم إختفاءها خرجت تبحث عن دواء لأحد أطفالها كان مريضاً.
وأضاف ” أخبرتهم بأنها الذهاب إلى أحد الأسواق المجاورة بحثاً عن الدواء الذي أصبح ليس سهلاً العثور عليه بعد عمليات النهب والسطو التي طالت الصيدليات والمستشفيات على حدا سواء في المنطقة في الأيام الأولى لإندلاع الحرب”.
ولم ينحصر إختفاء النساء في السودان على المناطق التي تدور فيها المعارك العسكرية بين طرفي الحرب، إنما أمتدت لمناطق أخرى لازالت تحت السيطرة التامة للجيش السوداني، ومنها مدينة سنار التي تبعد حوالي ثلاثمائة كيلو متر عن الخرطوم، حيث أختفت صافي المدينة عبدالقيوم من منزلها تاركة خلفها طفلها الوحيد ولم يتم العثور عليها منذ يوليو/ تموز من العام الماضي.
كانت صافي المدينة التي يبلغ عمرها 32 عاماً تقيم في الخرطوم، وأنتقلت إلى مدينة سنار مع اندلاع الحرب. ويقول معاذ عبدالجليل –ابن شقيقتها- لـ”ترياق” أنهم دونوا بلاغاً بفقدانها لدى رئاسة شرطة ولاية سنار في العاشر من يوليو/ تموز2023، ولازالوا يبحثون عنها.
وكحال أشواق التي تنتظر عودة والدتها وحسام الذي يبحث عن شقيقته يأمل معاذ عبدالجليل أن يصحو يوماً على خبر عودة شقيقة والدته التي أثار إختفاؤها المفاجئ حيرتهم وجعلهم غير قادرين على تحديد المسار الذي يمكنهم البحث عنها فيه وهو يعتمد حالياً على تكرار نشر صورتها على مواقع التواصل الإجتماعي مناشدة الجميع بمساعدتهم في البحث.
ورصدت منصة “مفقود” على موقع التواصل الإجتماعي “الفيسبوك” (800) حالة فقدان للنساء والرجال منذ بداية الحرب في أبريل/نيسان العام الماضي.
وقالت عضو منصة “مفقود” المهتمة بتوثيق ونشر حالات الفقدان في السودان ثويبة هاشم جلاد، “بعد الأسبوع الأول من سيطرت طريق الدعم السريع على أجزاء من ولاية الجزيرة تراوح عدد بلاغات فقدان الأشخاص في اليوم الواحد بين (10) إلى (20) شخص”.
وأكدت هاشم أن انقطاع خدمتي الاتصالات والإنترنت أثر في عمليتي التوثيق والرصد.
وفي محلية كرري أخر أجزاء العاصمة السودانية التي لم تسيطر عليها قوات الدعم السريع ظل عادل محمد يبحث عن شقيقته زهور محمد البالغة من العمر ثلاثين عاماً وبنت شقيقته الأخرى تدعى نورة حسن وعمرها سبعة عشر عاماً وقال عادل أن شقيقته وإبنة شقيقته الأخرى خرجتا إلى السوق المجاور لمكان سكنهم في حي الفتح بالريف الشمالي لكرري في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي ولم يعودا إلى اليوم.
وبحث عادل في كل مكان توقع ذهاب شقيقته وابنة أختها إليه، ولازال يبحث دون ان يعثر على أثر لهن.
وتقول لجنة محامي الطوارئ في السودان، (مبادرة حقوقية) في تقرير نشرته في الثالث من سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أنها تأكدت بوجود عدد من النساء معتقلات لدى طرفي الحرب، ووثقة المبادرة إفادات لمعتقلين سابقين أفادوا بتعرض عدد من النساء المعتقلات لعمليات اغتصاب متكرر.
وقالت اللجنة في تقريرها أن نساء معتقلات في معتقل المرسى بمدينة بحري يديره الدعم السريع يتعرضن لعمليات إغتصاب متكررة.
لكن بالمقابل تقول تقارير صادرة عن جهات حقوقية وتطوعية أن هناك عمليات ترحيل تجرى للمخطوفات من الخرطوم إلى غرب السودان، وانشاء أسواق لبيعهن سبايا في المناطق الخاضعة لسيطرت قوات الدعم السريع وبحسب ما يوثقه تقرير بعنوان الاستعباد الجنسي في خور جهنم (قرية في ولاية شمال دارفور)، صادر عن المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام في الخرطوم، وإعتماداً على شهادات مدنيين مقيمين في قرية كويم الملاصقة للبوابة الغربية لمدينة الفاشر، بأنهم شاهدوا أكثر من 70 سيارة من نوع تويوتا قادمة من الخرطوم، يقودها أشخاص يرتدون زي الدعم السريع، محملة بصناديق وأشياء أخرى، و10 منها تحمل فتيات مقيدات بالسطلاسل، وأفاد سكان المنطقة بحسب التقرير الذي حصل “أتـــــر” على نسخة منه أن ظاهرة ترحيل النساء المخطوفات شوهدت لأول مرة في مايو 2023 ومنذ ذلك التاريخ بدأت بالتنامي.
وقال التقرير الذي يوثق للفترة الممتدة بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023،أن المختطفات يتعرضن للتعذيب والاغتصاب والمعاملة القاسية والمذلة والبغاء القسري.
وليس دائماً تتعرض النساء والفتيات المخطوفات في السودان للإختفاء بصورة نهائية، حيث هناك حالات خطف للنساء يعلن عنها مرتكبيها ويطلبون فدية مالية مقابل استعادتهن. وفي العاشر من أبريل/نيسان الماضي، تم خطف فتاة من قرية شبونة عمر الواقعة في ولاية الجزيرة التي تسيطر قوات الدعم السريع على اجزاء واسعة منها وطالب خاطفيها بمبلغ مالي مقابل اطلاق سراحها.
ووفقاً لإفادات عدد من شهود العيان، أن حالات اختطاف مماثلة وقعت لفتيات في عدد من قرى ولاية الجزيرة، طالب خلالها الخاطفون بدفع فدية المالية.