X

الجميل الفاضل .. يكتب.. عين علي الحرب ..من تجليات “اللطف الخفي” في حرب السودان !

 

 

 

    بإختصار شديد أتصور، أنه لولا قيام ثورة ديسمبر المباركة، لما أندلعت أصلا شرارة حرب أبريل اللعينة، بل وأستطيع أن أقول بثقة ويقين: إنه لولا نشوب ھذه الحرب علي مرارتھا وقساوتھا، لما أتمت ثورة ديسمبر في الأفق المستقبلي المنظور، إنتصارھا الذي إتخذ طابعا شكليا محضا بادي ذي بدء، في العام (2019).
إذ ھو في الحقيقة كان إنتصارا زائفا إكتفي بنزع وإزاحة قشرة وغلاف نظام “الإخوان المسلمين” الخارجي، فيما عرف بمسرحية عزل رمز سلطة النظام “عمر البشير”، والتحفظ عليه في مكان آمن.
وفي ظني كذلك أن مھمة إستكمال أھداف ھذه الثورة، ما كان يمكن أن تتحقق بغير ھذا الطريق المُمِض والشَاق والمُكِلف للغاية.. “طريق الحرب”.
وھو طريق بطبيعة حاله وعَرٌ ومُتعِبٌ وبَغيضٌ، إضُطرت لِولوجهِ مُرغمةٌ كل ثورات العالم، التي أحدثت تغييرا كبيرا في حياة شعوبھا.
من لدن الثورة الفرنسية التي صارت مضربا للمثل، في أكل الثورات لبنيھا الذين خرجوا من رحمھا.
بيد أنه في ثورة السودان “السلمية”، العظيمة التي بھرت العالم بسلميتھا الرائعة، قد جرت الأمور علي غير منوال وعادة الثورات التي عرفناھا، فإن لُطفا كَريما سخيا، جَنَّبَ ھؤلاء الشباب، “عَظمْ الثورة، وعمادھا الفقري”، الإنزالق الي مستنقعات العنف، برغم محاولات “الإخوان” المتكررة بشتي السُبلِ والحِيّل، لجرھم الي ھذا العنف جرا.
بل والي أكثر من ذلك، أعتقد أن من آيات ودلائل تلطف “اللطيف الخبير” بشعب السودان أنه قد فدي سبحانه “قوي ثورته”، بإحالته مغبة الحرب التي كان لابد منھا.. فاتورة وضريبة، الي عاتق “قوي الثورة المضادة” وحدها.
وبالتالي فإني أنظر لھذه الحرب بحسبان أنھا مرحلة من مراحل الثورة نفسھا، رغم أنھا جاءت بالطبع مختلفة الطبيعة والأدوات.
إذ ھي حرب تأكل حاليا بنيرانھا أعداء الثورة أولا، ثم الذين تسلقوھا بغير وجه حق، وأولئك الذين أندسوا بين صفوفھا كأحصنة طروادة، بغية إختراقھا للقعود بھا تماما عن أھدافھا، أو لإبطاء سيرھا نحو تلك الأھداف علي الأقل.
يجري كل ذلك فضلا عما ستحدثه “مصيدة الحرب” التي أسقطت بلا استثناء، كل تلك القوي المُتَوحشةُ التي نفذت مجتمعة وبإشتراك جنائي لا يخفي، مجزرة فض إعتصام القيادة العامة، وإنقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر (2021)، وما تبعه من سقوط أكثر من مائة شاب وشابة من الثوار في المظاھرات المناھضة لذات الإنقلاب.
فقد بدا لي الآن،
وكأن كل تلك القوي التي كانت قد عملت بكل ما أوتيت من قوة لإجهاض ھذه الثورة المباركة، قد قدمتھا يد القدرة ھي نفسھا اليوم قربانا لنصر قريب يُعيدُ أُمورُ الثورة الي نِصابِھا من جديد.
فقد إستدرج العلي القدير ھذه الجماعة بشيء من “غرور الغافلين”، الذي أستبد بھا أيما إستبداد، ليوردھا موارد الھلاك بغفلة ورعونة، من حيث لا تحتسب ولا تدري، من خلال زجھا في محرقة ھذه الحرب، التي أضحت ھي ذاتھا أقصر طريق، لتحصيل أھداف الثورة الكبري، ولبلوغ غاياتھا العظمي، التي كان “الاخوان” خاصة، ومن شايعھم بعلم أو بجھل، لا يرغبون أو حتي لا يحتملون بكل تأكيد، رؤيتھا تتحقق علي أرض الواقع.
فإن سيناريو ھذه الحرب أتصور أنه يمثل بصدق، ضربا من ضروب إرتداد الكيد الي النحر، وصورة لكيف يمكن أن يحيق المكر السيء بأھله؟.
أو لكيف يمكن أن يجعل الله تدبير قوم ھو في تدميرھم؟.
إذ أن مجريات ھذه الحرب برمتھا تعكس نموذجا مثاليا لمعني من معاني ضرب الظالمين بالظالمين.
وبطبيعة الحال فإن الذين تجمعُهم المصالحُ والنفاقُ، يُسلِّطُ اللهُ بعضَهم على بعض، حيث قيل في الأثر: “مَنْ أَعَانَ ظَالِماً سَلَّطَهُ اللهُ عَلَيْهِ”،
وهي حكمةٌ مصداقُها في القرآن قوله تعالى: “وكَذَلِكَ نُوَلِي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”.