السيد وزير العدل رئيس وفد السودان للدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.. بعد ان سرد في 90 في المائة من فقرات خطابه انتهاكات الدعم السريع لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني.. خلص الي مطالبة المجلس بعدم التجديد لبعثة تقصي الحقائق التي قدمت تقريرها امام المجلس.
لعل ما يرفع حاجب الدهشة التناقض الواضح في الموقف الحكومي.. ففي الوقت الذي تروج فيه لتجاوزات الدعم السريع في الحرب العبثية في السودان.. في كافة المنابر الإعلامية و وسائل التواصل الاجتماعي و اهم من ذلك في المحافل الدولية و الإقليمية سواء في نيويورك حيث طالب البرهان بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية و في بكين و جنيف مؤخرا و أمس في مداخلة السفير الحارث ،،، و ربما خلال الأيام المقبلة عندما يخاطب البرهان الجميعة العامة للأمم المتحدة…
انتهاكات كل الحاضرين في قاعة الاجتماعات في جنيف من مناديب للدول او المنظمات الدولية الحقوقية الحكومية منها و غير الحكومية علي معرفة بها و بما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي ركز علي الدعم السريع اكثر من تناوله لانتهاكات الجيش، ،رغم انه حمل الطرفين مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني…
بيد أنه رغم كل هذا الترويج من قبل حكومة الأمر الواقع،. تجاوزات الدعم السريع في كل هذه الفعاليات الدولية… يبدو التناقض في موقفها لا يستوي علي سوق،، و لا يسنده منطق..
ففي اليوم التالي لتشكيل بعثة تقصي الحقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان في اكتوبر الماضي… خرجت لنا وزارة الخارجية ببيان رفضت فيه تشكيل هذه البعثة… و هنا بدأ التضارب في الموقف الحكومي. فقد كان الأحري بها…. . و في ظل ترويجها محليا و دوليا لانتهاكات الدعم السريع …ان تكن هي أول المرحبين بقرار تشكيل اللجنة… اذ ان إنتهاكات حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني يصحبها عادة تحقيقات دولية للتثبت منها و من ثم تجريمها… فالمتهم بها يظل بريئا حتي تثبت تهمته.. و لا تعتد المنظمات الدولية الحقوقية و العدلية بالخطب و البيانات.. اللهم إلا إن يكن لدي الحكومه ما تهدف لإخفائه.
ثم تواصل تضارب الموقف الرسمي للحكومة. حيث رفضت اربعة طلبات للبعثة للحصول على تأشيرة الدخول للسودان . كما ارفضت ايضا تقرير بعثة تقصي الحقائق علي الرغم من تحامله البائن علي الدعم السريع و التركز اكثر علي تجاوزاته. كما وضخ ايضا في بيان وزارة الخارجية التي اتهمت التقرير بعدم الشفافية و الحياد و وضع الطرفين في مركب واحدة…
لكن الخطأ الكبير في بيان وزارة الخارجية ظهر في انتقادها لاستباق البعثة بتدشين تقريرها اعلاميا قبل عرضه علي مجلس حقوق الإنسان..
و هذا لعمري عدم إلمام بٱليات و سياسات اللجان و البعثات المنبثقة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان..
و يتجلي عدم الآلمام هذا من خلال المنشور الصادر عن المفوضية نفسها..
يقدّم هذا المنشور توجيهات سياساتية ومنهجية وقانونية وتشغيلية بالاستناد إلى المعايير الدولية ذات الصلة والخبرة التي اكتسبتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان على مدار السنوات.
فليس هناك اي خطأ إجرائي.
المنشور أعلاه ( من صفحة ٧٩ الي ٨٣ ) يقول أن للبعثة
الحق و السلطة التقديرية لتوزيع نسخة مسبقة من تقريرها advance copy
قبل تقديمه رسميا لمجلس حقوق ألأنسان، و علي سبيل المثال حدث من قبل ان قدمت تقارير سابقة للجان في مؤتمرات صحفية و أدلت فيها بتصريحات و ملاحظات الي اجهزة الإعلام وهو ما قامت به بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن انتهاكات حقوق ألأنسان في السودان؟؟؟
كما حدث ايضا في حالتي سوريا و بورندي..
و لعل ما يضعف من امكانيه قبول طلب وزير العدل رئيس وفد السودان في جنيف… الزخم الذي احدثه تبني قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات علي السودان في اطار قرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع رقم 1951 لعام 2005 الخاص بحظر السلاح عن اقليم دارفور… رفضا لمطلب الحكومة و السفير الحارث ادريس في نيويورك برفع هذه العقوبات لأنها حسب تقديرهم تحدث خللا في ميزان القوي في دارفور.. متناسين ان هذا القرار ظل قيد النظر في مجلس الامن منذ عام 2005 نتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني في دارفور في عهد الانقاذ، و هي ما كانت سببا في تبني مجلس الأمن للقرار 1593 تحت الفصل السابع و الذي نص علي احالة الحالة في دارفور الي المحكمة الجنائية الدولية وفق المادة 13 ب من ميثاق روما المؤسس للمحكمة.. و هذه المادة خاصة بالدول غير الأطراف في ميثاق روما…
في اعتقادي ان هذا الزخم العالمي الذي احدثه قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات لم يكن بمنأي عن ظروف الحرب في السودان و ما احدثته من كارثة إنسانية غير مسبوقة في العالم… سيما و ان هذا القرار الذي ظل يجدد سنويا.. تم تمديده فنيا و لأول مرة لمدة ستة أشهر في مارس الماضي. و هللت يومها الحكومة به باعتباره اخر تمديد لفريق العمل.. و كان من المفترض ان يعاد فيه النظر في الثاني عشر من سبتمبر الحالي، ، اي نهاية فترة سريانه.. إلا ان الرياح أتت بما لا تشتهي سفن الحكومة… حيث تم تمديد ولاية فريق العمل الخاص بحظر السلاح في دارفور بموجب قرار مجلس الأمن 2591 لعام 2005 لغاية الثاني عشر من سبتمبر 2025..
و لعل ما يسند الاعتقاد بأن تمرير قرار مجلس الأمن إجماع الدوال الأعضاء،، بما فيها الصين و روسيا،،سوف يجعل الطريق ممهدا لإجازة تقرير بعثة تقصي الحقائق من جهة و رفض طلب وزير العدل بعدم تجديد تمديد ولاية البعثة لعام اخر من جهة أخرى..
فضلا عن أنه مع استمرار تصعيد العمليات العسكرية و رفض التسوية السلمية في منبر جنيف من شأنه ان يدفع الكثير من الدول الأعضاء الي التصويت الايجابي علي تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق.. في ضوء سيل من تقارير المنظمات الدولية و الحقوقية الحكومية و غير الحكومية الموجودة في جنيف التي تعكس فداحة الحرب و انتهاكات الأطراف المتحاربة لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و هذه الكارثه الإنسانية التي وصفها المجتمع الدولي بالاسوأ من نوعها في العالم..
بل ليس من المستبعد ان يجد تقرير بعثة تقصي الحقائق طريقه الي الامم المتحدة في نيويورك..
كسرة..
بكل اسف هناك من الصحفيين و اللايفاتية يدعون المعرفة في كل شيء و معظمهم لا يفقهون شيئا في العلاقات الدولية و قوانين حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني.. و آليات مختلف المنظمات الدولية… و منهم من هو معروف و زبون دائم للفضائيات.. طفق يسوق الناس بالخلاء و يتحدث عن دولة الإمارات باعتبارها احدي دول المجموعة العربية صوتت لصالح القرار الذي اسماه بالتوافقي و هي ليست عضوا في مجلس الأمن.. و قال ايضا ان المجموعة الإسلامية أيضا صوتت لصالح القرار.. ،و لا توجد اصلا في الامم المتحدة مجموعة اسمها المجموعة العربية او المجموعة الإسلامية… هناك توزيع مناطقي جغرافي،، فالجزائر الدولة العربية و الإسلامية الوحيده في مجلس الامن هي ضمن حصة إفريقيا التي لها ثلاثة اعضاء في مجلس الأمن.. حتي الإمارات عندما كانت عضوا في مجلس الامن كانت ضمن حصة اسيا ..