X

الجميل الفاضل .. يكتب.. (عين علي الحرب)..طِبْ البُرعي”!

 

    أتصور أننا قد بتنا في ھذه الظروف، والأيام، أحوج ما نكون الي “طِب البُرعي”.
فقد أخرجت الحرب الجارية ھنا لنحو عام ونصف، أسوء ما فينا علي الإطلاق، بل وأثبتت بما لا يدع أدني مجال للشك، إن الشر ليس من إختصاص الآخرين كما دأبنا نزعم، وأننا نحن أنفسنا، لسنا ملائكة كما كنا نظن.
حرب جاءت أبعد ما تكون، بل علي نقيض أخلاقيات الحرب، وقواعد اشتباكھا التي أقرھا الإسلام، والتي لخصھا سيدنا أبوبكر الصديق في وصاياه لجيش اسامة بن زيد قائلا: “لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا إمرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له”.
وبالتالي يظل “طب البرعي”، الذي لا مناص لنا اليوم، سوي أن نمتثل لوصفاته العلاجية الصعبة، والشاقة.
تخصصا نادرا، ومعقدا للغاية.
فھو طب مجاله مداواة مثل ھذه النفوس المعطوبة، التي لم تراع في أھل السودان إلاً ولا ذِمة.
كما أنه في ذات الوقت أيضا طب يصعب إستحصاده وتحصيل نتائجه، علي من لا يملك شجاعة مواجھة ذاته لذاته، ومحاسبة نفسه بنفسه، قبل أخذھا بالشدة اللازمة والضرورية كما ينبغي.
روشتة “الشيخ عبد الرحيم البرعي” تقول فيما تقول: “أحسن فيمن عاداك ومن يحبك”.
وتقول أيضا: “أنسي إحسانك فيمن يحبك،
وتناسى يوت لإساءة من يسبك”.
وتمضي الروشتة المباركة الي ان تقول: “خالف هوى نفسك، حَسَدك وضُرك، وأحذر عقوق والديك في الحين يضُرك”.
بيد أن نھج طبابة البرعي يقوم علي الأخذ بِحزمٍ مُتكاملة، منھا ھذه الوصفة التي أطلقھا جملة واحدة بقوله: “الزم محلك، وتحلى بالآداب حرمك وحـِلك،
وأصبر لأمر الله حين يمتحن لك”.
والنتيجة التي يبشر بھا الشيخ البرعي مباشرة ھي: “من رِبقة الأسوأ، والشر يحِلك”.
والي أن يقول: “جـودٍن دعــَنـــَك بمــالك الأيـــــــام أو وَدَعَنَك،
إن رُمتَ من خَلاقَك يرضى عنك، لأحِبَتك وأعدَاك كن بيضا سنك”.
دعوة البرعي للمساواة في الاحسان علي من عاداك، ومن يحبك، تذكرني باستطراد حسن للشيخ محمد الحافظ التجاني المصري بقوله: ” أن الرسول (ص) يقول: أن لنفسك عليك حق، وان لاھلك عليك حق، بل وأنا أقول -اي الشيخ الحافظ- أن لعدوك عليك حق”.
حق أوجزه الرجل الثاني في الإسلام في حزمة لاءاتٍ بلغت أحدي عشر لاءً بالتمام والكمال، أتبعھا بتوجيه صارم يمنع المساس باتباع الأديان الأخري، وتركھم لما فرغوا أنفسھم له في صوامعھم.
ولذا فإن إحسان التعامل مع الخصوم والأعداء، جاء لدي الشيخ البرعي كشرط لنيل رضا الله سبحانه وتعالي وفق صيغة جازمة تقول: “ان رمت من خلاقك يرضي عنك، -ھاك بھاك- لأحبتك وأعداك كن بيضاء سنك”.
تصور أن المطلوب منك، نسيانك لإحسانك في من يحبك، فضلا عن تناسيك كذلك لاساءة من يسبك، حتي تستوي عندك كفتا ميزان مثل ھذا الحق.