قبل نحو (57) عاما، قال الاستاذ محمود محمد طه في العام (77) من القرن الماضي في محاضرة القاھا بشمبات: (من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني، وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية.
إذ أنها بلا شك ستبين لأبناء هذا الشعب مدى زيف شعارات هذه الجماعة.
وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان سياسياً، واقتصادياً، حتى ولو بالوسائل العسكرية.
وسوف يذيقون الشعب الأمرين.
وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل.
وسوف تنتهي بينهم.
وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً).
يبدو أن اشعال ھذه الجماعة لشرارة ھذه الفتنة في صورة حرب امتدت لنحو عام ونصف الي الآن علي الأقل، ھذه الفتنة التي تولت الجماعة كبرها، وازكت نارها بكل ما اؤتيت من قوة ناعمة وصلبة، من كتائب وخلايا نائمة وغير نائمة، أو من وراء ستار لم يعد ساترا بما يكفي لتحريك أصابعھا الآثمة لخيوط الدُمي التي تدير من خلالھا دولاب الحرب.
فارتخاء قبضة ھذا التنظيم الدموي، عن اجهزة الجيش والأمن والشرطة، مع تطور الأحداث يبقي في ظني مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
اذ أن ھذه الحرب ظلت تكشف مع كل يوم يمر ان نفوسا نضاحة بالسوء، تفوقت في ھذه الحرب، على سوء نفسها وطويتها.
انه نوع من السوء يفوق هو نفسه، “سوء الظن العريض” وفق وصف وتعبير دقيق، للاستاذ محمود أطلقه على هذه الجماعة، التي أكد الواقع أنھا جماعة “مطاطية السوء”.. كلما غالي الناس في إساءة الظن بها، وجدوا انها تفوق سوء ظنهم الأقصى، والأبعد سوءا.
بل ليجدوا أنهم، قد أحسنوا الظن بهذه الجماعة، كلما أرادوا اساءة الظن بها.
المهم فقد صار شعب السودان، من واقع هذه التجربة المريرة، مع حكم وحرب هذه الجماعة، أمثولة يضرب بها المثل، في الصبر على كل بلاء.
وقد كاد شعبنا بالفعل ان يبلغ ذروة هذا الابتلاء بھذه الحرب.
لقد صار شعبنا في الحقيقة “شعب الله الأمثل”.
إذ أن الله يبتلي من الناس، والشعوب، الأمثل فالأمثل، كل على وسعه، وقدره، ومقامه، وطاقة صبره، وقوة احتماله.
لكن يظل من الطبيعي أيضا أن يستغرب الناس والحال ما نري الآن قول الاستاذ محمود في التوطئة لنبوءته: “من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الھوس الديني، وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية، اذ أنھا بلا شك ستبين لابناء ھذا الشعب مدي زيف شعارات ھذه الجماعة”.
ربما أنھا ستكون تجربة مفيدة للغاية بمنطق التساؤلات المفتوحة لشاعرنا الراحل محمد المھدي المجذوب التي ابتدرھا بسؤال فلسفي عميق يقول:
“أيكون الخيرُ في الشرِ إنطوي؟
والقوي خرجت من ذرةِِ
هي حبلي بالعدم
أتـُراها تكفلُ الحربَ
وتنجو بالسـَّـلـَم؟
ويكون الضربُ كالقوةِ
حقاً وإهتماما
سوف ترعاهُ الأُمم
وتعود الأرضُ حُبـاً وإبتسـاما”.