عندما تتقاصر الهامات ويشتد الحال يركز الرجال
مؤلم هو الرحيل موجع مفجع الغياب والذهاب دون وداع ….
بالأمس ودعت امدرمان وحاراتها المختلفة رجال من اوتاد هذه الحرب وجبالها الشامخة…
رجل ظل رغم العناء الأهوال الدانات والقتال يجلس بيقين وثبات ان هذه الارض لنا ستعود كما كانت امدرمان والسودان بأهل وعشيرة واماكن عرفها وعرفته ، خبرها وخبرته اكثر من نصف قرن من الزمان منذ ان وطئت اقدامه هذه المدينة لم يفارقها يومًا الا وعاد اكثر شوقًا وتمسك بها ورغم تقلب الاحوال والظروف وتغيير الحياة كان كما هو
كما عرفه الناس جميعًا حفظوا سيرة ذلك الرجل الذي كان يجلس بمكتبة بجمعية التعاونية الاذاعة والتلفزيون اكثر من عشرين عامًا قضاها بين عمل وسفر وامانة واخلاص وتفاني وخلالها شهد بزوغ انجم الغناء السوداني والمع نجومه فقد كان مجلس ومناسباته عامرة بمحمد الامين ، عثمان حسين ، المع نجوم الاذاعة عمر عثمان والجزولي ليلي المغربي وغيرهم من شباب تلك الايام……
تلك السنوات العريقة كانت وستظل محفورة بذاكرة اهل الحارة ( حداشر) والحارة (خمستاشر ) (زقلونا) هناك عرفه الجميع رجال ونساء وهو صاحب البيت المفتوح والاسرة الممتدة وكان ( ديوانه) عامر بالشيب والشباب من أبناءه وابناء النهود ، الابيض وكافة ابناء دار حمر وغيرهم من يقصد باب العلم والمعرفة بالعاصمة المثلثة ولم تمنعه عثرات الحياة وتغيير الظروف السياسية والاقتصادية من ان يكون ذلك المنزل وجهة المحتاج المكلوم والمظلوم ظل كما هو باب مفتوح كرم وضيافة وترحاب باب من ابواب الخير تخرج تحت يديه المهندس والمعلم والمغترب ….
عند العثرات تجده يؤثر الخير للجار والقريب
متفانيا بمحبة وقيم سودانية راسخة
عندما اخرجت الحرب فلذات اكباده من راحة ديارهم كانت داره الملجأ والملاذ الاخير للجميع
وابت نفسه ان يغادر هو ( ابو البنات ) وجد ( البنات ) جلس بينهم مطمئنًا ازعجه صوت الدمار والخراب هو من تعود على صباحات هنا امدرمان ولحنها الشجي ضجيج نهارها وصخب لياليها…
ضاق زرعًا بهذا الجور والظلم وابت نفسه ان تفارق
ظل بين الناس يدعوا للعودة الحياة والسلام ….
كسائر كبار العارفين لعظمة هذا الوطن وشموخ الشعب ….
رحل احمد (شنبه) رحل بكامل وعيه بصيرته يهدى الناس النصح يذهب فجرا تحت وابل اصوات الرصاص للمسجد يراه الناس تسرى رغبة الحياة بينهم ويعود لمنزله كأنهما اراد ان يرسل رسالة عظيمة اننا هنا باقون ان لا مفر من امدرمان الا لها
وفي ايام قليلة بين ابناءه احبابه واحفاده اسلم الروح بهدوء وكان انعدام الدواء ونقص الخدمات الصحية واحد من كوارث الحرب بها نفقد اباء امهات وابناء
لم يرتكبوا ذنب غير محبتهم لهذه الارض وقاتلوا من اجل البقاء والعودة للحياة قاتلوا بنبل وعظمة حتى الموت..
برحيل احمد (شنبه ) ورفاقه من هذا الجيل (الامدرماني) خلال هذه الحرب اللعينة انطوت صفحة من صفحات التاريخ وذهب نفر كريم
كرسوا حياتهم للبناء والعمل …
بهذا الرحيل لن تعود امدرمان بعد الحرب ذاتها امدرمان قبلها ستفقد ركائزها دعائم التعايش الاستقرار والسلام …
الرحمة والمغفرة جنات وعيون
احمد (شنبه) وكل كبار اهلك امدرمان الذي سطروا درس في الثبات والتمسك بالمكان حتى الرمق الاخير
انا لله وانا اليه راجعون