في إطار إعلان النوايا علي الأقل، أتصور أن مؤتمر القاھرة لو أنه لم يفعل سوي قبول ھذه الأشتات المتباينة، الإجتماع بلا مواربة تحت شعاره الصريح “معا من أجل وقف الحرب” فقد أفلح.
وإن كان الخروج برؤية سياسية مشتركة أو موحدة حول كيفية وقف ھذه الحرب، وبأي طريقة، وعلي أي شاكلة، ونتيجة، يظل الي الآن، حلما بعيد المنال.
المھم فإن من أبرز وأھم أثار مؤتمر القاھرة أنه قد أنتج فرزا جديدا سيترتب تبعا له واقع مرحلي وتكتيكي مختلف.
فرفض كل الفصائل المسلحة المصطفة الي جانب الجيش التوقيع علي البيان الختامي للمؤتمر موقف يعكس ھواجس من تورطوا في الحرب، علي مآلات أوضاعهم بعد انتھاء تلك الحرب، التي سيتحملون لا محالة جانبا من أوزارها، وتبعات ما سيتبعھا، من مساءلات، وحساب، بل وربما عقاب.
كما أن إبعاد او ابتعاد الأطراف القصية يمينا ويسارا ربما يشير لعدم تقبل العقول المؤدلجة عموما لحلول مرنة تقبل مبدأ التنازلات المتبادلة، التي تمھد السبيل بمنطق “فن الممكن” لتحول مدني ديمقراطي، ينحو في النھاية بعيدا عن قناعاتھا الصمدية التي لا تقبل التزحزح.
علي أية حال فإن مؤتمر القاھرة واحد من حِزم جھود دولية واقليمية تجري الآن بتنسيق لا يخفي، حِزمٌ صُمَّمت بعناية لانھاء صداع الحرب، ومن ھنا تنبع أھمية ھذا المؤتمر الذي أتصور أنه قد نجح في كسر جمود التواصل بين مجموعات ظلت متباينة المواقف والمصالح والأهداف منذ نجاح الثورة في عزل المخلوع البشير والي يومنا ھذا الذي افلحت فيه القاھرة في جر ھذه المجموعات ذاتھا رغم أنفھا للجلوس علي طاولة واحدة، في حالة نادرة عبرت عن مدي عمق وانتشار ظاھرة الإنفجار والتشظي الحزبي، في السودان، ھذه الظاھرة التي انتجت فقاقيع من شأنها أن تخضع للتلاشي طال بھا الزمن أو قصر، وفق قانون طبيعي يضمن البقاء للأصلح والأقوي الذي يمتلك اشرعة تحمله وتضمن له وجودا في المستقبل.
ومن الطبيعي إن القوي السياسية المختلفة علي علاتھا الراھنة، لا تملك في حالة الحرب، سوي ان تختار أين تقف.. في الجانب الصحيح من التاريخ برفض حالة الحرب وھذا أضعف الإيمان بالطبع، او أن تقف في موقع تاريخي خطأ، من حيث أنھا لا تملك أدواته، ولا تتحكم في مساراته، ولا تقدر علي سداد فواتيره ومتأخراته، وكل ما يترتب عليه بالضرورة مستقبلا، وھو بكل تأكيد الموقف الخاطيء، الداعم للحرب، أو لأي من طرفيھا مھما كانت الذرائع والمبررات.