القاهرة في – تقرير _ ترياق نيوز : بدر الدين العتَّاق
ماذا بعد أربعة عشر شهراً من القتال بين الدعم السريع والجيش السوداني؛ من يكسب ومن يخسر؛ متى ينتهي أمد الصراع في السودان؛ ما هي مئالات الصراع السياسي بين الفرقاء السياسيين؛ ما هو السيناريو المتوقع لاتفاق يُنْهِي معاناة الشعب السوداني؛ ما دور الحركات المسلحة والحركة الإسلامية في هذا الصراع ؟.
صرَّح الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مؤخراً في لقاءه الجماهيري عقب أحداث العنف الأخيرة بقرية ود النورة إحدى قرى ولاية الجزيرة السودانية ” بأنَّ الحرب لن تنتهي حتى التخلص من الدعم السريع أو آخر جندي من القوات المسلحة السودانية ” وتابع : ” سنقاتل ميليشيا الدعم السريع الإرهابية للنهاية حتى لو بقي آخر جندي في القوات المسلحة” ، مما أثار حفيظة الرأي العام العالمي خصوصاً أنَّ مثل هذا التصريح يمد من أجل المعارك في السودان أفقياً حيث لا توجد بوادر حل للأزمة حالياً؛ ويصف مراقبون بأنَّه من الأفضل أن يتنحى البرهان عن قيادة الدولة السودانية طالما هو ليس بقادر على حل الإشكال لا عسكرياً ولا سياسياً.
من جانب آخر؛ أثارت الاعتداءات الأخيرة من قبل منسوبي الدعم السريع على قرية ود النورة بمحلية المناقل ريفي ٢٤ القرشي التي راح ضحيتها أكثر من مائة وخمسين قتيلاً ؛ أثارت جدلاً وسخطاً واسعين في الأوساط السياسية والحقوقية الدولية إذ لا علاقة للمدنيين العُزَّل بالصراع على السلطة أو جلب الديمقراطية المدنية طالما لم يحملوا السلاح أو ينحازوا لأحد الفريقين مما يشير إلى وجود إقحام المدنيين ككبش فداء وورقة ضغط سياسية للجلوس إلى المفاوضات ولإثبات وجود وفعالية عمل الدعم السريع في المنظومتين العسكرية والسياسية وأنَّها بمثابة دولة داخل دولة ولا تعترف بحكومة بورتسودان القائمة اليوم .
كما رشح في وسائط الإعلام أن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي صرَّح بوجوب دعم وتسليح المقاومة الشعبية في إقليم دارفور حين بدت بوادر إقتحام لمليشيا الدعم السريع لمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور ” وأكد مناوي في تصريحات أدلى بها على منصة “إكس”، أنَّ الدعم السريع أغرت المستنفرين بنهب واستباحة الفاشر.
وأعلن مناوي استنفارًا عامًا في الإقليم، مفيدًا أن الدفاع عن النفس والعرض أمر تكفله جميع القوانين والأديان السماوية، وطالب أهالي دارفور أن يحتشدوا لحماية أنفسهم وأرضهم وعرضهم، حد قوله. ” .
ويرى مراقبون أنَّ مناوي يريد التخلص من أعداءه داخل منظومة مليشيا الدعم السريع التي تنازعه السلطة التي حازها بموجب اتفاق جوبا ٢٠٢٠ وكذلك جاء تصريحه بعد إعلان موقفه السابق بالتخلص من الحياد بين طرفي النزاع والصراع في السودان واتجاهه لدعم الشرعية ببورتسودان ورفض الانقلاب العسكري من قبل قوات الدعم السريع عليها في أبريل الماضي 2023 بينما يرى أخرون أنَّ منَّاوي يريد الحفاظ على كرسي الحكم ومنصبه ووجوده فعلياً في سُدَّة الحكم بناءً على اعترافه بشرعية حكومة بورتسودان وفي ذات الوقت يستغل وضع النازحين بإقليمه كورقة ضغط سياسي على حكومة بورتسودان والمجتمع الدولي وإلَّا فمن الأولى أن يكون في مناطق النزاع ويبسط هيبة الدولة في اقليمه المكلوم لا في بورتسودان .
أشارت التقارير الصادرة عن موقع الأمم المتحدة على الإنترنت حول الأوضاع في السودان إنَّ قوات الدعم السريع كانت تجهز لهذا الصراع قبل عام من بدأ تنفيذه بتجنيد أفراد من داخل وخارج الدولة؛ حين ترى الميليشيا أنها تحارب بقايا النظام السابق الإسلامي – الفلول – من أجل تحقيق أهداف الثورة الشعبية السودانية وتقف بجانب الشعب وحرصها على الديمقراطية والحكم المدني الرشيد؛ حيث ذكرت : [ التقارب بين الفريق أول حميدتي والجماعات المسلحة الدارفورية :
62 – وفقا لما ذكره قادة مختلفون للمتمردين أجرى الفريق مقابلات معهم، وكجزء من مناقشات السلام في جوبا وأماكن أخرى، حاول الفريق أول حميدتي ورفاقه اجتذاب الجماعات المسلحة الدارفورية وغيرهم من القادة الدارفوريين ليكونوا في صفهم من خلال استخدام خطاب يركز على المصلحة المشتركة الدارفورية ، وفي هذا الخطاب، ينبغي على جميع أهالي دارفور، العرب وغير العرب، والفريق أول حميدتي والمتمردون، أن يتحدوا لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب ”الجلابة“ التي هيمنت على السودان منذ الاستقلال، وذلك بغية وضع حد لعقود من تهميش دارفور.
63 – وكان بعض قادة المتمردين متجاوبين مع هذا الخطاب وغذوا علاقات إيجابية مع الفريق أول حميدتي ، ومن الظاهر أن سلطان قبيلة الفور، أحمد أيوب علي دينار، قد اختار أيضاً التحالف مع الفريق أول حميدتي، وهو يعمل على تيسير التقارب بين الفريق أول حميدتي وقادة قبيلة الفور ، ويرى الفريق أن التعبئة السياسية وفق الانقسام بين أهالي دارفور ونخب الشمال يمكن أن تكون لها عواقب مزعزعة للاستقرار خلال المرحلة الانتقالية في السودان، بما في ذلك دارفور ] .
وفي المقابل فإنَّ الحركة الإسلامية في السودان تدعي عدم مشاركتها في الحرب القائمة بين الطرفين إلَّا أنَّ لواء البراء بن مالك ومشاركته في الحرب باسم المجاهدين والإسلاميين يقول غير ذلك .
وفي ذات السياق؛ تبرَّأ الفريق أول البرهان من مشاركة الإسلاميين في الحرب الآن وأشار إلى رفضه تصدر لواء البراء بن مالك الذي يقوده الرائد / المصباح طلحة ، المشهد الإعلامي ومشاركته الفاعلة في إخلال موازين القوى بين الطرفين .
من جانب آخر؛ أقامت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية – تقدم – نشاطاتها السياسية في إثيوبيا حيث أعلنت في مؤتمرها الدستوري وتوصياته ومخرجاته بوجوب الإصلاح الأمني والعسكري للقوات المسلحة السودانية؛ ويرى مراقبون أنَّ تقدم تجتر الإتفاق الإطاري الذي كان سبباً في إندلاع الحرب بصورة مستحدثة ونسخة جديدة تحمل في طياتها ذات البنود سابقة الذكر؛ بينما في الاتجاه المعاكس لعدد من المعارضين السياسيين على رأسهم التيار الإسلامي العريض بصدد إعداد لمؤتمر يقام في الأراضي المصرية آخر شهر يونيو الحالي بعد قبول حكومة بورتسودان على لسان وزارة الخارجية السودانية وترحابها بإقامة المؤتمر مشروطاً تحت الرعاية المصرية والمتوقع أن يحمل المؤتمر القادم ذات رؤية مبادرة الشيخ الجد التي قدمها لفولكر العام قبل الماضي والمحسوب على التيار الإسلامي العريض والحركة الإسلامية السودانية.
فيما يرى مراقبون أنَّ غياب الفريق أول محمد حمدان دقلو ” حميدتي ” ؛ قائد أول قوات الدعم السريع عن المشهد السياسي والعسكري والإعلامي طيلة الفترة الماضية له دوره السالب في تغيير لعبة المنازلة السياسية وتطويل أمد الحرب على الشعب السوداني وترجيح كفة الديمقراطية المدنية التي ينادي بها على الحرب الأهلية التي خرجت من إطار القانون المحلي والدولي الإنساني في إدارة المعارك والحروب والاشتباكات بين الفرقاء العسكريين؛ الأمر الذي أدَّى إلى سقوط قتلى وجرحى جراء القصف العنيف على كل المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو الدعم السريع والدول المساندة لوجستياً له ، وكذلك لسقوط فكرة الديمقراطية والمدنية الزائفتين خصوصاً بعد مجزرة ود النورة وما تفيد به التقارير الأممية يومياً بإدانة الدعم السريع بانتهاكات إنسانية في كل المناطق التي يسيطر عليها مما يستوجب محاكمة الذين تسببوا في الحرب من الجانبين الجيش والدعم السريع.
ويتوقع خبراء ومراقبون دوليون أنَّ أمد الحرب في السودان وتأثيرها على الشعب لن تنتهي إلَّا بالجلوس على مائدة المفاوضات سواء كان بتنفيذ مخرجات إتفاق جدة التي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية أو بدأ تفاوض من جديد على أسس واضحة تنهي المأساة الإنسانية في البلاد ، كما في تقرير صدر عن الأمم المتحدة على صفحتها بالإنترنت حيث ذكرت ” السودان التحــــديث الإنســــــاني (15 مايو 2024) لمحة عامة على الوضع : [ فرَّ أكثر من 8.8 مليون شخص من منازلهم منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023.
وقد نزح ما يقدر بنحو 6.8 مليون شخص داخل البلاد ولجأوا إلى 7,251 موقعًا، وفقًا لمصفوفة تتبع نزوح المنظمة الدولية للهجرة، في وثيقة اللمحة العامة الشهرية على النزوح في السودان (الإصدارة رقم 08) وتوجد أعلى نسبة من النازحين في ولايات جنوب دارفور (11 في المائة)، ونهر النيل (10 في المائة)، وشرق دارفور (10 في المائة) حيث أفادت الفرق الميدانية التابعة للمنظمة الدولية للهجرة لمصفوفة تتبع النزوح أن النازحين كانوا قد نزحوا في الأصل من 12 ولاية ونزح حوالي 53 في المائة منهم، 3.6 مليون، من ولاية الخرطوم، تليها ولاية جنوب دارفور (14 في المائة)، ثم ولاية الجزيرة (10 في المائة)، وشمال دارفور (9 في المائة)، ووسط دارفور (4 في المائة)، وولايات أخرى ، وقد فرَّ أكثر من مليوني شخص عبر الحدود، بما في ذلك 1.8 مليون شخص فرَّوا إلى دول الجوار، منهم 660 ألف شخص إلى جمهورية جنوب السودان، و579 ألف شخص إلى تشاد، و500 ألف شخص إلى مصر وذلك وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين.
منذ 15 أبريل 2023 سجل مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة 15,550 حالة وفاة أوردتها التقارير من السودان، ووقوع أكثر من 1,400 حدث عنيف استهدف المدنيين في جميع أنحاء البلاد منذ بدء الحرب حيث واجه المدنيون في ولاية الخرطوم أعمال العنف الأكثر استهدافًا، حيث وقع أكثر من 650 حادثًا وقُتل ما لا يقل عن 1,470 شخصاً ] .
فهل بعد توجه الحكومة مؤخراً إلى الدب الروسي ومنحة إشارة خضراء بقبول إقامة قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر بمفهوم تعدد ميزان القوى السياسية العالمية مقابل أسلحة متطورة تنهي الصراع عسكرياً بمباركة روسية ورقابة أميركية نحو صراع المصالح الكبرى علي السودان – سلة غذاء العالم – بين القطبين العالميين المتنافرين وحنكة سودانية ضرورية ، يعود بعدها من جديد بدأ الإعمار لما دمرته الحرب ؟ .