الخرطوم : ترياق نيوز
كثرت خلال الأيام الماضية الأسئلة عن أخطار جراحات المعدة، بعد الإعلان عن وفاة وديع، ابن الفنان جورج وسوف، بسبب مضاعفات صحية أصابته عقب إجراء إحدى تلك العمليات، بعدّة أيام.
لم يصدر عن عائلة وسوف أي تأكيد أو نفي حول حدوث خطأ طبي أدى إلى وفاة ابن المغني السوري البكر. ولكن الأسئلة حول ظروف الجراحة ومخاطرها شغلت كثراً على مواقع التواصل، مع انتشار بعض المعلومات الصحية المغلوطة حولها.
الجراحات الهادفة لخسارة الوزن تطورت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وباتت ضمن البروتوكول الذي يتبعه الأطباء لمساعدة المرضى في تحسين صحتهم ونوعية حياتهم.
ولكن كيف يحدّد الطب حسناتها أو مخاطرها؟ وما هي المعايير التي تؤهل المريض لإجراء تدخل جراحي في معدته؟ وكيف يقيّم الأطباء حالته الجسدية والنفسية قبل الجراحة وبعدها؟ وكيف يمكن تفادي المضاعفات؟
“ليست جراحة تجميلية”
بدأ إجراء جراحات المعدة في خمسينيات القرن الماضي، ومع تطوّر الطب وتقنيات الجراحة، يرى الأطباء أنها باتت من الجراحات الآمنة نسبياً، إذ تتراوح نسبة الوفيات عقبها بين 0.05-2.0 بالمئة، بحسب مجلة “جراحة السمنة” المحكّمة والمختصة بنشر دراسات طبية من حول العالم عن تقنيات جراحات السمنة.
هناك عدة أنواع من جراحات المعدة التي استخدمت خلال العقود الماضية، منها ربط المعدة، تكميم المعدة (Gastric Sleeve)، وتحويل مسار الأمعاء (Gastric Bypass)، ولكن أكثرها شيوعاً هي تكميم المعدة وتحويل المسار، بحسب الجراح جورج الخوري، رئيس قسم جراحة المنظار والسمنة المفرطة، في الجامعة اللبنانية الأمريكية، والتي تحتوي على مستشفى رزق الجامعي في العاصمة بيروت، ومستشفى سان جون الجامعي في مدينة جونيه.
يقول الخوري إن جراحة السمنة تقسم إلى قسمين “قسم لعلاج مرض السمنة المفرطة، وقسم لعلاج أمراض مثل السكري وتشمع الكبد ومضاعفاتهما”. ويوضح الخوري أن الجراحين المختصين بهذا النوع من الجراحات ليسوا “جرّاحي تجميل، بل نحن مختصون بعلاج مرض اسمه السمنة المفرطة، وهو مرض مزمن تماماً كالسكري وغيره من الأمراض المزمنة”.
ويشرح الخوري أنه علينا التمييز “بين البدانة والسمنة المفرطة، فليس كل شخص بدين أو لديه وزن زائد يحتاج لجراحة. حين تصير السمنة خطراً على حياة الإنسان، بمعنى أنها تسبب مضاعفات صحية خطرة، مثل ارتفاع ضغط الدم، صعوبة في التنفس، آلام في المفاصل والظهر، سكري، شحوم في الشرايين، عندها نسميها سمنة مفرطة وننصح بإجراء تدخل جراحي”.
يقول الجراح الذي عاين خلال مسيرته مئات المرضى: “إن زارنا شخص بدين، لا يعاني من مضاعفات خطرة بسبب الوزن، لا ننصحه على الفور بإجراء الجراحة، بل نطلب منه إحداث تغييرات في أسلوب حياته مثل التغذية الصحية والرياضة”.
كذلك يوضح أن الجراحة تجرى لمساعدة المصابين بالسكري أو بأمراض أخرى مثل تشمع الكبد، بغض النظر عن الوزن، لأنها تساعد في تقليل امتصاص الجسم للسكر وتمنع تكدس الدهون، وبالتالي تساعد في منع تدهور حالة المريض.
التقييم الشامل والاحتراز
ربما يوحي الحديث عن شيوع جراحات تصغير المعدة، بأن اتخاذ قرار اجرائها أسهل مما هو في الواقع، وذلك مع توثيق تجارب مرضى تشي بوجود فوضى في المعايير والإجراءات في بعض الأحيان، أو استسهال في التوجه إلى الخيار الجراحي، حتى وإن لم تكن حالة المريض تتطلب ذلك.
فكيف يقيّم المختصون الحالة قبل اتخاذ القرار بإجراء جراحة تكميم المعدة أو عدمه؟
يقول الطبيب جورج الخوري إن جراحة السمنة تقتضي استشارة فريق متكامل من الأطباء، إلى جانب الجراح المختص بجراحات المنظار والسمنة.
“يجب أن يتمتع الجراح بالخبرة اللازمة لاختيار الجراحة التي تتناسب مع حالة المريض، وذلك مع استشارة طبيب جهاز هضمي، طبيب جهاز تنفسي، طبيب بنج، وأخصائي تغذية، إلى جانب طبيب نفسي لكي يقيّم حالة الشخص النفسية ويتأكد من عدم وجود حالات قد تشكل خطراً عليه مثل إدمان الكحول أو المخدرات”.
ويشرح الطبيب أن المريض يحتاج إلى تحضير من قبل الفريق المختص قبل الجراحة، وإلى متابعة دقيقة بعد الجراحة. “كل شخص حالة مختلفة عن الآخر، لا يمكننا التعميم أو وضع الجميع في خانة واحدة، فكل مريض لديه حالة صحية نقيّمها على أساس حاجاته”.
فقبل الجراحة، يوضح الطبيب للشخص ما ينتظره من آلام ومن تغير في نمط الحياة وكميات الطعام التي سيكون قادراً على تناولها، ونوعيات الغذاء التي سيكون عليه تجنبها. فبعد الجراحة يطلب من المريض تناول السوائل لفترة محددة، وبعدها الأطعمة الهشة وسهلة الهضم لأسابيع، بحسب حاجة كل مريض واستجابة معدته للغذاء.
يقول الخوري: “إن كان الشخص يعاني مثلاً من إدمان على الكحول أو المخدرات، نطلب من الطبيب النفسي مساعدته على حل تلك المشاكل قبل الجراحة، كي نضمن تخلصه من عادات تشكل خطراً على حياته، وإن كان لدينا أي شكّ نتريث بإجراء الجراحة”.
وبعد الجراحة، يخضع المريض لمراقبة مكثفة لناحية قياس ضغط الدم، وطريقة التنفس، وحرارة الجسم، إلى جانب منحه إبراً مسيلة للدم لتفادي الجلطات.
يقول الطبيب إن الهدف من هذه الجراحات هو مساعدة المرضى، وليس تعريضهم للخطر، و”كل مريض يستعدّ بشكل جيد ويتبع الإرشادات تكون نسبة إصابته بمضاعفات أقل، ويبقى الاحتراز أولوية”.
صحيح أن أخطار حدوث مضاعفات بعد جراحة المعدة قائمة كأي عمل جراحي آخر، يوضح الخوري أن هناك عدة سيناريوهات قد تكون قاتلة، مثل عدم التزام المريض بالنظام الغذائي المحدد له بعد الجراحة، وتناوله أغذية أو مشروبات ممنوعة.
وهناك أيضاً إهمال بعض الأطباء، الذين يفتقرون للخبرة، ويتجاهلون بعض الأعراض الخطيرة، مثل تسارع دقات القلب، أو ارتفاع الحرارة، خلال الأيام التالية للجراحة.
يقول: “إن اتصل بي مريض قائلاً إنه يشعر بارتفاع حرارة بعد الجراحة، أطلب منه المجيء فوراً إلى المستشفى وأحيله إلى قسم التصوير الشعاعي، ولا أكتفي بأن أقول له أن يتناول حبتي مسكّن. هناك بروتوكول يجب الالتزام به عند حدوث أعراض مماثلة لتفادي أي مضاعفات لا تحمد عقباها”. لذلك ينصح المرضى باختيار المستشفى المناسب المجهز بفريق عمل متكامل يقدر على احتواء أي مضاعفات بالسرعة اللازمة.
هوس الوزن والشكل
يشدّد الجراح المختص على أهمية التقييم النفسي للشخص، قبل إجراء إحدى جراحات السمنة، وذلك ما توافق عليه أيضاً المعالجة النفسية المختصة بالاضطرابات الغذائية ميليسا رزق.
تقول رزق إن ما نعيشه في عصرنا الحالي من هوس اجتماعي وإعلامي بصورة الجسد، “له تأثير كبير على علاقة الأشخاص بأجسادهم، وبالطعام. نحن نعيش في زمن يشهد عبادة للمظهر الخارجي، ويربطه بالجمال، وبالإرادة، وبقدرة الأفراد على السيطرة على أنفسهم، وأحياناً حتى بالمكانة الاجتماعية، ما يشكل ضغطاً علينا جميعاً، لنكون بشكل معين ونخسر الوزن”.
تلاحظ رزق أن موضوع خسارة الوزن بات نقاشاً ثابتاً في حياتنا سواء خرجنا للتبضع، أو إلى السينما، أو دعينا إلى مناسبة اجتماعية “يبقى موضوع الوزن حاضراً”. ولكن، على المقلب الآخر، “هناك ترويج إعلاني دائم للأكل ولصناعة الغذاء التي تنفق مليارات الدولارات للترويج للوجبات السريعة، ونراها في كل مكان على شاشات هواتفنا طوال الوقت، وعلى التلفزيون، وفي اللوحات الإعلانية.
إلى جانب التحضيرات الصحيّة اللازمة قبل أي جراحة سمنة، تقول المعالجة إنه ينبغي التأكد من أن الشخص لا يعاني من اضطراب غذائي.
تخبرنا: “أكثر اضطراب غذائي شائع لدى المرشحين لإجراء جراحة سمنة، هو “الشره المرضي” أو “اضطراب نهم الطعام” Binge Eating Disorder، ويعني أن الشخص يصاب بحلقة إفراط في تناول الطعام، قد تستمر لنحو ساعتين، يفقد خلالها السيطرة بالكامل، ويشعر بعدها بالندم والذنب، فيحاول التقليل من الأكل”.
يعيش المصابون باضطراب الشره المرضي في حالة اتباع حمية غذائية دائمة، ولكنهم يفشلون في إنقاص أوزانهم، لأنهم يمرون بحلقات شره تكون خارج السيطرة، وتحتاج إلى تدخل من معالج مختص لحلّها.
تقول المعالجة إن هناك عدداً من الاضطرابات الغذائية المختلفة، ولكن بشكل عام فإن ما يجمعها هو الهوس بالوزن والشكل ومحاولة السيطرة عليهما. “هناك أشخاص بدناء غير مصابين باضطراب غذائي، وربما يطلبون استشارة طبية قلقاً على حالتهم الصحية إن شعروا بآلام في المفاصل أو تدهورت صحة القلب والشرايين لديهم”.
توضح: “ليس كل شخص بدين مصاباً بالشره المرضي، ولكن حين نلاحظ وجود علاقة إشكالية بينه وبين الطعام، وهوس بالوزن والشكل، نطرح فرضية إصابته باضطراب غذائي يحتاج حلاً. الكثير ممن يعانون من الشره المرضي لا يأكلون أي شيء طوال اليوم، أو يأكلون مثلاً كمية قليلة جداً، وحين يعودون إلى المنزل متعبين وجائعين بعد يوم طويل، يدخلون في حالة الأكل المفرط وبدون توقف”.
تشرف ميليسا رزق على حالات عدد من المرضى الذين يحتاجون لجراحة سمنة، وتقول إن العمل على حل مشكلة الاضطراب الغذائي إن كان موجوداً قبل الجراحة، خيار أفضل، لمساعدة الشخص على تنظيم نمط غذائه.
وتقول إنها تشرح لكل مريض بوضوح أنه لن يكون قادراً على تناول كميات الطعام التي اعتاد عليها قبل الجراحة، وتساعده على فهم أنواع الطعام التي عليه تفاديها مثل الشوكولا، والبوظة، والكحول، ورقائق البطاطا التي قد تمنعه من خسارة الوزن على المدى الطويل.
تلفت المعالجة إلى أن رهاب البدانة السائد في المجتمع، والتنمّر والسخرية من الأشخاص البدناء، له نتائج عكسية، “خصوصاً عند الذين يعانون من مشكلة الأكل العاطفي، فزيادة الضغط عليهم تشعرهم بالقلق والغضب، فيأكلون المزيد”.
تقول: “هناك تيار جميل بدأ في الولايات المتحدة اسمه “الصحة في كل قياس”، والهدف منه الابتعاد عن الهوس بالوزن والشكل، والتركيز على العادات الصحية لدى الأحجام كافة، من خلال تشجيع الأكل الحسّي، وتناول أغذية طبيعية وعضوية وخالية من المواد الحافظة، وبناء نمط حياة متوازن على المدى الطويل يشمل النوم الجيد والحركة والأكل الصحي، عوضاً عن الهوس بفكرة الحمية والنحافة والشكل”.
المصدر/ BBC