X

حيدر الفكي .. يكتب .. ” حتى الآن ” .. الإتفاق الإطاري ما بين واقعية المرحليين  وخيال الجذريين !

 

إنشغلت الساحة السياسية السودانية هذه الأيام بالإتفاق الإطاري والذي حرَّك المياه الراكدة وأعاد العملية السياسية لمسرح الفعل من جديد وفتح الباب للحراك بعد أن كان التعتيم والضبابية وإنسداد الأفق السياسي هو سيد الموقف منذ إنقلاب 25 أكتوبر 2021 والذي فشل فشلاََ ذريعاََ ووجد  العسكر أنفسهم  في وضع حرج بعد أن حاولوا أن يجمِّلوا وجه الإنقلاب القبيح بتسميته بالثورة التصحيحية ولكن كان مستوى القبح أكبر من الإحتمال والتوقع واستمرت مدة الإنقلاب اكثر من سنة ساءت فيها الأوضاع  أكثر مما كانت عليه من سوء وحتى لم يستطيع الإنقلابيين تكوين حكومة خلال هذه الفترة ومن الجانب الآخر مارست قوى الثورة ضغطها المستمر بقوة وثبات وصبر وبحنكة وإقتدار ولكن كان الثمن مُكلفاََ وباهظاََ من حيث عدد الشهداء والجرحى وسيل الدماء ولذلك أتى المكون العسكري راضخاََ لهذه التسوية والإتفاق في شكله الإطاري (مرغماََ اخاك لا بطل) وأعتقد جازماََ أنها ستكون هذه آخر محاولات العسكر  إمتطاء صهوة السياسة والسلطة والتدخل في الشأن المدني .. وقد حظي هذا الإتفاق بإهتمام ودعم محلي وإقليمي ودولي كبير .. ولكن يبدو أن مستوى تعقيد المشهد السياسي وصل مرحلة متقدمة وإتضح ذلك جلياََ من خلال تباين المواقف ومستوى القبول والرفض حتى من قبل القوى الثورية نفسها ناهيك عن كتلة الضد المعادية للثورة أصلا ..
في هذا الإتفاق اختلفت الرؤى داخل بيت القوى الثورية الداعمة للإنتقال المدني الديمقراطي بين مؤيد ومعارض وكذلك انقسم معسكر الضد وهم اذيال النظام البائد والمنتفعين بين مؤيد ومعارض أيضاً وإن كانت الأغلبية منهم معارضة وعندها التقى التيار الثوري المعارض مع التيار النفعي المعارض ولكن التقاء مع الفارق الكبير في مستوى النظر والرؤية فالتيار الثوري المعارض يرتكز على مبدأ أساسي وهو أن العسكر ليس لهم ضمان وهم يعلبون على تعقيد المشهد وكسب الزمن والوقت حتى تترهل العملية السياسية وهو راي وجيه وعززه تسجيل صوتي للبرهان عندما التقى بكبار الضباط في اللقاء التنويري قبل ايام وقال ممكن نقلبها تاني إذا دعى الداعي ولكن بالمقابل وبالمنطق البسيط انه رغم عدم الثقة في العسكر فإنهم هم الآن يقودون زمام الأمور ولابد بشكل او بآخر أن يكونوا ضمن الفاعلين في الحل السياسي ولو بمكاسب مرحلية حتى تكتمل دائرة الإنتقال الديمقراطي .. اما لو نظرنا الى المعسكر المعارض من قبل اذيال النظام البائد والنفعيين فهؤلاء لايتبنون رؤية وطنية وإنما كل همهم محصور في مكاسبهم الذاتية على مستوى المحاصصات ووجودهم داخل اي كيان يقود المرحلة الإنتقالية فهم يجمعهم الهوى والنزغ وحب السلطة وشهوة الفساد ..
بالنسبة لرؤية الجذريين وهم من يتبنون رؤية الحلول الجذرية وأبرز من يمثلهم هو الحزب الشيوعي السوداني وجزء من لجان المقاومة وهم ضد أي تسوية سياسية أو إتفاق مع العسكر حول الإنتقال المدني الديمقراطي ورؤيتهم تتبلور حول المقاومة ومواصلة التصعيد وعدم مشاركة العسكر في الحلول وعدم التفاوض معهم وإنما يكون الرهان على الشارع والكيانات الثورية الفاعلة على الارض (لجان المقاومة) حتى يتم إسقاطهم ويستلم المدنيين زمام الأمور .. من الناحية النظرية ليس هناك من يختلف مع هذه الرؤية من كل أطياف قوى الثورة المختلفة والمتباينة لأن ذلك هو بيت القصيد والغاية ولكن يظهر هنا سؤال المنطق والعقلانية والحنكة السياسية وهو كيف يتم ذلك في ظل السيطرة المطلقة للمكون العسكري وأذياله ؟! وهنا أعتقد أنه لابد من تفعيل الحل السياسي وبكامل المكتسبات مع ضغط الشارع والجماهير وهذا ما ذهبت إليه قوى الحرية والتغيير عن طريق هذه التسوية الإطارية تمهيدا لإتفاق نهائي .. بالنسبة لرؤية الجذريين هى أقرب الى إنتظار المدينة الفاضلة والتي لم تحدث حتى الآن وإن كانت هى غاية فكرهم الآيدولوجي وفي أدبياتهم التي طال انتظارها على أرض الواقع .. واعتقد ان التعاطي مع الواقع السياسي بحقه ومستحقه وبقراءته جيداََ وبالتالي التعامل معه حتى يتحقق التحول الديمقراطي هو أقرب الطرق للوصول ولكن مع مراعاة الحفاظ على تحقيق كامل المكتسبات وإن كانت أدوات الفعل السياسي تتغير مع كل مرحلة من مراحل الحراك الثوري وحسب ضرورتها .. ومن هنا تكون قوى الحرية والتغيير هى قائدة تيار المرحليين وهذا يفرضه الواقع والراهن وبعد تجريب الرؤية الجذرية للحلول والتي صاحبها كثيراً من التعقيد .. ولكن هناك مسألة من الأهمية بمكان وهى ضرورة أن لا تعمل كيانات وقوى الثورة المختلفة على تخوين الآخر الثوري أو هدم مجهوده ووضع العراقيل ..
هذا الإتفاق الإطاري تفادى كثيراً من أخطاء الوثيقة الدستورية المعيبة وأكثر ما يميزه أن نصوصه واضحة في موضوع الإنتقال المدني الديمقراطي والتحول لبناء الدولة المدنية
أهم بنود الإتفاق الإطاري هي:
– تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات النظامية وتتكون من مستوى سيادي مدني محدود بمهام شرفية يمثل راساً للدولة ورمزاً للسيادة وقائداً أعلى للأجهزة النظامية ومستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الاتفاق إضافة إلى مجلس تشريعي وآخر للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء ويضم قادة الأجهزة النظامية و6 من حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا..
– الناي بالجيش عن السياسة وممارسة الانشطة الاقتصادية والتجارية والإستثمارية ودمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش مع إصلاح المؤسسة العسكرية ليصبح جيش قومي مهني واحدواحد
– إصلاح جهاز الشرطة وجهاز المخابرات وان ينحصر دور المخابرات في جمع المعلومات
– إصلاح الأجهزة العدلية وتحقيق إستقلاليتها ونزاهتها وتحقيق العدالة الإنتقالية ومحاسبة المجرمين
– تنفيذ سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه بين السلطة التنفيذية وشركاء الإتفاق وأطراف الإعلان السياسي وإستكمال السلام مع الحركات المسلحة غير الموقعة
– ازالة تمكين نظام 30 يونيو 89 وتفكيك مفاصله في كافة مؤسسات الدولة واسترداد الأموال والأصول المنهوبة ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989
– إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور تحت إشراف مفوضية صناعة الدستور للحوار والاتفاق على الأسس والقضايا الدستورية وبمشاركة كل أقاليم السودان
– تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهرا على أن يتم تحديد مطلوباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة
*عليه يتضح جلياََ أن بنود هذا الإتفاق عالجت كل القضايا المفصلية والضرورية للتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية التي يسعى لأجلها التيار الثوري بكل مسمياته وأشكاله المختلفة والتي سالت على اعتابها دماء الجرحى وإرتقت اروح الشهداء الطاهرة وفقدنا أعزاء لا نعرف لهم وجهة ولا مكان حتى الآن .. لأجل ذلك لا مكان هنا للمزايدات ولكن الوعي بمتطلبات التحول لبناء الدولة المدنية لابد ان يصحبه عمل سياسي وبحنكة ودراية مع الدور الكبير لأدوات النضال الثوري حيث تعتبر هى مفتاحاََ للحل السياسي  والذي تمخض عنه هذا الإتفاق الإطاري ..
ومضة:
هى روح متعبى بفوضى الجسد منهكة بفكر العقل ووعي السؤال …….