“التيار ” تحاور أول سفير الأمريكي بالخرطوم بعد 25 سنة من القطيعة
جون قودفري : ليس صحيحاً ما قاله أبوهاجة أن مشاركة البرهان في الأمم المتحدة تعني أن صفحة جديدة مع الغرب وأمريكا قلبت.
• إذا قرَّرت حكومة السودان المضي قدماً في إقامة منشأة بحرية لروسيا أو إعادة التفاوض حولها سيكون ذلك مٌضراً لمصالح السودان
• ظللنا نحث الحكومة العسكرية بالسودان لاستعادة حكومة بقيادة مدنية ووضع السودان مرة أخرى في مساره الانتقالي وهو أمر ندفع بقوة لتحقيقه.
• لا أرى سبباً أن لا يكون السودان دولة مزدهرة، قادرة على منح شعبها حياة أفضل، بل وتوفير الأمن الغذائي للإقليم
• السودان يملك قدرات سياحية هائلة، عدد كبير من الإهرامات والآثار القديمة
تلمَّست رغبة قوية من الشركات الأمريكية للاستثمار بالسودان لكنها تركز على البيئة القانونية
• مبادرة نقابة المحامين تطوُّر إيجابي نعتقد أنه مقترح جاد يحظى بموثوقية ومشاركة مجموعات مختلفة قد يساعد في تشكيل حكومة مدنية متوافق عليها بشكل واسع
= = = = = = = = = = = = = = = = = =
بعد قطيعة لأكثر من ربع قرن أرسلت واشنطون إلى الخرطوم سفيرها جون قودفري، في مهمة استثنائية، لبلد استثنائي بأزماته و علاقاته مع المجتمع الدولي التي ظلت تكابد عزلة طويلة. و قودفري رجل دقيق للغاية يوزن كلماته بدقة وحرص خلال الحوار، دون أن يخل بالمعاني والشفافية المطلوبة.
حوار: عثمان ميرغني
شكراً سعادة السفير، دعنا نبدأ بالوضع الراهن للعلاقات الثنائية بين السودان و الولايات المتحدة الأمريكية، أين تقف الآن؟
قد يكون مناسباً هنا أن أبدأ بوصولي كأول سفير منذ حوالى 25 سنة، ما يعنيه ، وما لا يعينه ذلك. وكما قلت عند تقديم أوراق اعتمادي للبرهان أن مهمتي الأساسية تقوية العلاقات بين الشعبين الأمريكي والسوداني، وما لا تعنيه هذه الخطوة تقوية العلاقات بين الحكومتين الأمريكية والسودانية في الوقت الراهن.نرغب في أن نكون الشريك الذي يختاره السودان، وهو هدف ذهبي بالنسبة لنا، لكن مفتاح ذلك هو وجود حكومة جديدة بقيادة مدنية و الإطار الدستوري الذي يستعيد المسار الانتقالي بالسودان. وكنت واضحاً في ذلك خلال لقاءاتي بالحكومة العسكرية والفاعلين المدنيين، وأعتقد من المهم توضيح ذلك لأن هناك احتمالاً كبيراً لارتباك حول هذا الموضوع، فقد اطلعت على خبر ليلة أمس (الأربعاء) – وشكراً لزملائي المستشارين الإعلاميين الذين يتابعون ذلك- المستشار الإعلامي للجنرال البرهان الطاهر أبوهاجة قال أن (مشاركة الجنرال البرهان في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يقلب صفحة جديدة في علاقات السودان مع الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية،وظلام الأمس يتبدد، والصفحة الجديدة مع المجتمع الدولي تبدأ بالاحترام والمصالح المتبادلة..) “إنتهى الاقتباس”.نحن نرغب في مثل هذه العلاقة لكن مع احترام للبرهان،المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تعني أن الصفحة قد طويت،وأكرر أن مفتاح تعميق العلاقات بين الحكومتين وتوسيع التعاون بين الولايات المتحدة والسودان على مستوى الحكومات، لا يمكن تحقيقه إلا في سياق حكومة بقيادة مدنية واستعادة المسار الانتقالي في السودان.
هل يعني هذا عدم اعترافكم بالحكومة العسكرية القائمة حالياً بالسودان؟
نحن ظللنا نحث الحكومة العسكرية بالسودان لاستعادة حكومة يقودها مدنيون و إعادة السودان إلى مساره الانتقالي الديموقراطي و نضغط بشدة مع شركائنا الدوليين للمساعدة في تسهيله.
حسناً، نعود إلى العلاقات الاقتصادية، أين تقف الآن؟
أعتقد هناك إمكانيات كبيرة للسودان، وخلال الأسابيع الثلاثة التي قضيتها هنا لا أرى أي سبب يمنع السودان أن يكون دولة مزدهرة، قادرة على منح شعبها حياة أفضل، بل و المساعدة في توفير الأمن الغذائي للمنطقة، وحتى أكثر من ذلك.ما يملكه السودان من موارد طبيعية توفر له إمكانيات اقتصادية هائلة. هناك ثلاثة قطاعات اقتصادية يتميز بها السودان:
الأول: السودان يملك أكبر مساحات من الأراضي الزراعية غير المستغلة على مستوى العالم، في وقت تزداد فيه المخاوف بشأن الأمن الغذائي في العالم. مما يوفر للسودان إمكانية توفير الغذاء لشعبه والمنطقة.
الثاني: المعادن، الجميع يركز على الذهب لأنه أسرع في توفير السيولة، وبالطبع عند تصديره بالطرق العادية يوفر عوائد ضريبية لوزارة المالية لمصلحة الشعب السوداني. ولكن فوق ذلك السودان لديه احتياطيات معدنية أخرى يمكن أن توفر له عائداً اقتصادياً كبيراً.
الثالث: وهو ربما أملي شخصياً، أن يدرك السودان إمكانياته السياحية الهائلة، فهو يضم عدداً كبيراً من الإهرامات والآثار القديمة وسواحل البحر الأحمر ومناطق طبيعية خلابة من بينها دارفور التي زرتها الأسبوع الماضي.
يمكن لهذه الموارد الثلاثة وحدها كفاية أن تولد ازدهاراً كبيراً لمصلحة و رفاهية الشعب السوداني، ولكن؛ وهي “لكن” مهمة، لكثير من المستثمرين الأجانب بما في ذلك الأمريكيين محاذير حقيقية من الدخول إلى السوق السودانية لوجود حكم عسكري بعد 25 أكتوبر 2021، وهناك مخاوف من الاستقرار السياسي والأوضاع الأمنية. وبالنسبة للتبادل التجاري والاستثماري بين الولايات المتحدة والسودان فإن الأمر – للأسف– يعود مجدداً إلى الأزمة السياسية وحاجة السودان للعودة إلى حكومة بقيادة مدنية تستعيد المسار الانتقالي الذي يقود إلى الديموقراطية. وأعتقد أنه بعد ذلك ستكون هناك رغبة قوية من المستثمرين ليس من الولايات المتحدة وحدها بل من مستثمرين آخرين للدخول الى السودان.
هل تلمستم رغبة من القطاع الخاص الأمريكي للاستثمار في السودان؟
خلال الأسابيع الثلاثة من إقامتي بالسودان شعرت برغبة قوية محتملة من قبل الشركات للاستثمار في السودان، ومع ذلك يتساءل المستثمرون على وجه التحديد و كيف يبدو الوضع الاقتصادي الراهن بالسودان؟ كيف تبدو فرص الأعمال في قطاعات محددة؟ و ينتهي الأمر دائماً بسؤال ماهو تقييم الوضع السياسي؟وما إذا كان سيتغير بطريقة تحقق مزيداً من الاستقرار حتى تتمكن الشركات من القدوم إلى السودان و الاستثمار بجدية . ودعنا هنا نشير لنقطة محددة، دائماً الشركات الأمريكية، وبصراحة كل الشركات، تركز على البيئة القانونية، ومدى سرعة التعامل مع النزاعات التجارية في حال الخلافات مثلاً بين الطرف السوداني والشريك الأمريكي أو غيره، وهذا الأمر يأخذ أشكالاً عدة لكنه في النهاية يرتبط بالقانون التجاري. واحدة من الخسائر الكبرى لاستلام العسكريين السلطة في 25 أكتوبر الماضي أن الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة مدنية أنجزت عملاً مهماً في إعداد قوانين جديدة للاستثمار ولكنه تعطل، أثر غياب القانون التجاري الجيد على اهتمام الشركات الأمريكية وكذلك الشركات متعددة الجنسيات للاستثمار في السودان.
هل بالإمكان استعادة المساعدات الأمريكية للسودان التي كانت تجمدت بسبب الانقلاب العسكري؟
من المهم الإشارة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقف المساعدات الإنسانية منذ 25 أكتوبر،و ولعلك تعلم أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح منفرد للمساعدات الإنسانية للسودان بلغت هذه السنة وحدها أكثر من 531 مليون دولار بما فيها المساعدات الإنسانية الأخيرة لضحايا الفيضانات.واستمر دعمنا لبرامج منظمات المجتمع المدني في حقوق الإنسان وتعزيز الديموقراطية. نحن ماضون في دعم محدود جديد من أموال كانت قد جُمدت بعد 25 أكتوبر الماضي لبرامج منظمات المجتمع المدني لتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية و برامج دعم وسائل الإعلام المستقلة والسكان المهمشين.
و أؤكد أنه ليس من هذه المساعدات ما يفيد الحكومة بشكل مباشر، وإذا فهمت سؤالك جيداً فهناك العديد من برامج المساعدة الخارجية التي تقدم من جانب الولايات المتحدة و شركاء آخرين تجمدت بعد 25 أكتوبر الماضي، ونحن على استعداد للنظر في تجديدها ومفتاح ذلك يتوقف على تشكيل حكومة بقيادة مدنية وإطار انتقالي يعيد السودان إلى مسار التحول الديموقراطي.
في سياق استعادة المسار الانتقالي، لاحظنا أنكم مع أطراف أخرى دعوتم الأطراف خاصة الحرية والتغيير “أ” و “ب” للقاءات بغرض الوصول الى توافق مدني، إلى أين وصلت هذه الجهود؟
ربما علي أن أقول بعض النقاط العامة وأنا سعيد بطرحك هذا السؤال، أننا و شركاؤنا نؤكد التزامنا بمحاولة دعم رغبة السودانيين في الوصول لحكم ديموقراطي بقيادة مدنية. وهذا يتطلب منا العمل بعدة محاور منها ما يسمى بـ”الترويكا” والرباعية وأصدقاء السودان والاتحاد الأوروبي، و كلها تدعم عمل الآلية الثلاثية التي تتكون من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “ايقاد” والأمم المتحدة التي تعمل بتفويض لتسهيل عملية التوافق على مقترح تشكيل حكومة بقيادة مدنية واستعادة المسار الديموقراطي الانتقالي.
تم إجراء مناقشات مختلفة عقدت لتحديد مفاهيم بعض العناصر الرئيسية لاتفاق محتمل. واعتقد أن مبادرة نقابة المحامين الأخيرة تطور إيجابي في هذه الاتجاه، ودعني أوضح لماذا.
نعتقد أنه مقترح جاد ذو مصداقية قدم عدد من المجموعات مدخلات إليه ووقعت عليه مجموعات أكثر من أية مبادرة أخرى حتى الآن.نعتقد أن مسودة الدستور الانتقالي لنقابة المحامين السودانيين يمكن أن تساعد في تشكيل حكومة بقيادة مدنية وإطار انتقالي متفق عليه بشكل واسع. نعتقد أنه يمكن جعله أكثر شمولاً من خلال الحصول على دعم من مجموعات أكثر وسيكون ذلك مهماً. ويحتوي على ملاحظات دقيقة من الخبراء بصورة تجعله ذا مصداقية فنية، ومما يميزه عن بقية المبادرات – وهي عديدة- أنها لقيت قبولاً واسعاً من مجموعات سياسية مختلفة من المؤيدين أو الموقعين .أعتقد هذا مؤشر على مصداقية المبادرة من مجموعة من الأطراف المختلفة، وأعتقد من المهم ملاحظة أن الجيش يرى ذلك أيضاً.
وقد تساهم المبادرة في إعلان سياسي يسهل تكوين مجموعة مدنية . مما يسمح للآلية الثلاثية تسهيل مباحثات رسمية وغير رسمية بين الجيش و هذه المجموعة المدنية المتوافقة.
هناك ربما نقطتان أخيرتان في مبادرة نقابة المحامين:
الأولى : عندما صدرت أعلن أنها تظل مفتوحة قابلة للإضافة والتعديل .
والثانية: أن الموقعين عليها استمروا في التواصل مع باقي المجموعات لجذب المزيد من التأييد للوثيقة.
أؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية أو الآلية الثلاثية أو أي طرف خارجي ثالث ليس في موقع الإملاء لمصداقية أية مبادرة معينة. نعتقد أن هناك معايير محورية يجب أن تتضمنها حكومة بقيادة مدنية جديدة لكن الأمر متروك للشعب السوداني في تحديد شكل الديموقراطية التي يريدها. تفويض الآلية الثلاثية لتسهيل الجهود الثنائية للجهات الفاعلة الدولية الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية،لا تمكننا من إملاء شكل الحكومة بقيادة مدنية أو إطار العمل الانتقالي.
لقاؤك مع قوى الحرية والتغيير بجناحيها والمكون العسكري فشل، فهل يعني ذلك فشلكم في جمع أطراف العملية السياسية حول طاولة اجتماع واحدة بما يستوجب المفاوضات غير المباشرة.
لا أعتقد أن الأمر كذلك.أعرف الاجتماع الذي تقصده، صحيح الأمور لم تحدث بالطريقة التي تم التخطيط لها، ورغم أننا فقدنا فرصة لكن المباحثات استمرت بشكل عام منذ ذلك اليوم وليس بالضرورة تحت مظلة التجمع الرباعي، الأطراف استمرت في مباحثات مختلفة بمجموعات مختلفة.
“مقاطعة” بحضوركم شخصياً؟
عقدنا اجتماعات ثنائية مع الأطراف كما فعل غيرنا من الفاعلين الآخرين، بينما عقدت اجتماعات متعددة الأطراف في ما يتعلق بمبادرة نقابة المحامين السودانيين والتي لسنا بالضرورة جزءاً منها.وبالعودة لمبادرة المحامين يمكن أن تساعد في تكوين تجمع مدني قادر على الاتفاق على اقتراح حكومة بقيادة مدنية. وهذا يساعد الآلية الثلاثية للانخراط في وساطة بين الجانبين العسكري والمدني.
الشعب السوداني الذي ينظر للعملية السياسية بإحباط كبير يقلقه استمرار الأزمة السياسية لوقت أطول فبعد شهر واحد تحل الذكرى الأول للانقلاب العسكري، هل أنت متفائل بأن الجهود الدولية متعددة الأطراف تساعد على الحل السريع؟
أنا متفائل، المباحثات التي تجري حول مبادرة نقابة المحامين أكثر تماسكاً ومركزة حول تفاصيل عَمَلِيّة، وبصراحة بصورة لم تعهدها المناقشات الماضية. كما أن مبادرة نقابة المحامين السودانيين اجتذبت دعماً من مجموعات أوسع مقارنة بالمبادرات الأخرى حتى الآن، والتي يبدو أن الجيش يراها أيضاً.
أود أن أؤكد مرة أخرى أنه ليس للولايات المتحدة أو أية جهة خارجية أخرى أن تتبنى أية مبادرة بعينها، لكن المحادثات حول مبادرة نقابة المحامين السودانيين كانت أكثر واقعية من المناقشات حول مبادرات أخرى. لكن – كما ذكرت وأعتقد أنه يجب الاعتراف بنقطة مهمة – هناك قلق بين السودانيين وكذلك بين الشركاء الدوليين من أن الذكرى السنوية الأولى ليوم 25 أكتوبر هي نقطة مهمة وإذا لم يكن هناك اتفاق بحلول ذلك الوقت، أو عند أقل احتمالية واضحة للتوصل إلى اتفاق قريبًا، يمكن أن يكون وصفة لعدم الاستقرار والعنف، وهذا أمر مقلق للغاية. نعتقد أنه يجب أن يدفع الأطراف إلى الانخراط على أساس عاجل لتشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية وإطار انتقالي.
لاحظنا إنكم بعد تقديم أوراق اعتمادكم في القصر الجمهوري باشرتم سلسلة لقاءات مجتمعية، هل هي رسالة “موازنة” خشية تفسير توقيت وصولكم الخرطوم أنه اعتراف بالحكومة العسكرية؟
هل تقصد لقاءاتي مع أسر الشهداء ولجان المقاومة.
نعم..
شكراً لك على هذا السؤال ويسعدني توضيح ذلك. كان مهماً لي لقاء بعض عائلات الأفراد الذين فقدوا أرواحهم أبناؤها في المظاهرات من أجل الحرية والديموقراطية في السودان.
و المظاهرات كانت محرك الثورة و مظهر لرغبة الشعب السوداني للحرية والسلام والعدالة. إلتقيت أسر الشهداء لعدة أسباب، من بينها تقديري لتضحياتهم والأهداف التي من أجلها ضحى أحباؤهم بحياتهم.وكانت لحظة عاطفية للغاية بالنسبة لي بالنسبة لي عندما سمعت رسالتهم التي مفادها أن وفاة أحبائهم لا يمكن أن تكون هباء، وأن استعادة الحكومة بقيادة مدنية ستكون بمثابة تكريم لذكرى هؤلاء الشهداء. أما لجان المقاومة فأنا مدرك للحساسيات التي تحيط بهذه المجموعات فهم من خلفيات أيديولوجية متباينة و أعمار مختلفة ومناطق جغرافية متنوعة ويمثلون قاعدة واسعة من المجتمع السوداني كان مهماً لي أن ألتقيهم لأسمع منهم مباشرة ما يهمهم وكيف يرون الأزمة السياسية الراهنة والطرق الممكنة للخروج منها. خلال ثلاثة أسابيع من وجودي بالسودان إلتقيت بحوالى 30 مجموعة مختلفة وسافرت إلى الغرب، كل هذا جعلني متفائلاً -كما سألتني- لأني أحسست بالتزام حقيقي ليس من أسر الشهداء أو لجان المقاومة فحسب، بل من السودانيين العاديين، فلنقل غير المسيسين،إلى تحقيق شكل مختلف من الحكم في بلادهم، إنهم يريدون حكماً بقيادة مدنية ، ديمقراطياً، وأكثر شفافية وقدرة على المساعدة في توفير حياة أفضل لهم و لأطفالهم.لا يبدو غريباً أن هذا ما يريده الكثير من السودانيين،
إن استعداد الناس لمواصلة التظاهر دعماً لتلك الأهداف على الرغم من استخدام العنف ضد المتظاهرين أمر رائع ، أنه شجاع للغاية.
لكن بعض القوى السياسية تعتبر هذا تدخلاً منكم في الشأن الداخلي السوداني.
ماهو نوع التدخل هنا؟
لقاءاتكم مع المكونات المجتمعية السودانية.
بكل احترام مهمتي أن أكون سفيراً لبلدي أمام كل السودانيين، وهذا ما دفعني للسفر إلى دارفور، كما أتمنى السفر إلى شرق السودان قريباً، لألتقي بأكبر مجموعات من الأشخاص داخل هذا البلد. وفي بلدي الولايات المتحدة يلتقي السفراء الأجانب بانتظام مع ممثلي الجماعات السياسية الأمريكية وجماعات المجتمع المدني والأكاديميين وغيرهم وهذا أمر طبيعي.
هل تخطط للالتقاء بالقوى السياسية التي كان لها صلة بالنظام السابق؟
بصراحة لم أركز على هذا الأمر، و حالياً نركز على القوى السياسية المهتمة بتحقيق الانتقال الديموقراطي و حكومة بقيادة مدنية وإطار دستوري يستعيد الفترة الانتقالية، من الواضح أن المجموعات التي ذكرتها لا يبدو أنها تهدف إلى تحقيق ذلك.
وهناك حساسية عالية داخل السودان أن بعض المرتبطين بالنظام القديم أعيدوا لمناصب في الحكومة وأن هناك خطوات جارية لتجديد الممارسات الاقتصائية للنظام القديم، وهذا ما لا نؤيده ولا نتفق معه. موقفنا أن الشعب السوداني أوضح أنه لا يريد أن يرى عودة حكومة عهد البشير أو القوى المشاركة في حكم البلاد خلال تلك الفترة.
كيف تستطيع تحديد أن هذه القوى السياسية داعمة للديموقراطية وتلك ضدها؟
في حالة النظام السابق والقوى التي شاركته في الحكم نحن نتحدث عن دكتاتورية فكرية حكمت بصورة وحشية لأكثر من 30 سنة. ولا غموض حول ما كانت تمثله هذه الجماعات وكيف حكمت في ذلك الوقت، ولا أتوقع منهم أن يدعموا حكماً ديموقراطياً بالطريقة التي يريدها الشعب السوداني.
ماهو رأيكم في موقف بعض أطراف اتفاق السلام بجوبا التي ساندت الانقلاب العسكري؟
من خلال مناقشاتي هنا في الخرطوم ثم رحلتي إلى دارفور أدركت أن تنفيذ اتفاق السلام الموقع بجوبا لا يسير بالسرعة المطلوبة، وهناك قلق حقيقي من تداعيات ذلك.
وسمعت هنا بالخرطوم بصورة واضحة أن بطء تنفيذ اتفاق السلام وبصراحة تدهور الحكم في دارفور نتيجة ضعف الموارد المركزية منذ 25 أكتوبر أدى لتدهور الوضع بعدة أوجه، خاصة بالنسبة للنازحين واللاجئين والأقليات وغيرهم من الفئات الضعيفة من السكان. أصبح الوضع الأمني أسوأ. واتفاق جوبا قصد تحقيق السلام بتشكيل قوة عسكرية موحدة للمساعدة بصورة مباشرة في الوضع الأمني ومنح موارد اقتصادية للأقاليم المهمشة تاريخياً ركزنا على ذلك كثيراً.نحث الحكومة سواء كانت حكومة عسكرية أو حكومة بقياجة مدنية جديدة على بذل المزيد من الجهد لتنفيذ اتفاقية جوبا للسلام، لأننا نعتقد أن التدهور في المناطق الثلاث بل وحتى في الشرق ناتج من التدهور الأمني والاقتصادي من جهة والعنف بين المجتمعات من جهة أخرى. وكما تعلمون -أفضل مني- أن مثل هذه الأوضاع تاريخياً في السودان قادت لتداعيات سيئة جداً.
ماهو رأيكم في “تحالف القوى الجذرية للتغيير الشامل”؟
حسب معلوماتي هذا التحالف تكون في يوليو الماضي “2022” ، بقيادة الحزب الشيوعي السوداني ويضم تجمع المهنيين السودانيين ومجموعات أخرى، لا نتوقع أن نرى إجماعاً كاملاً في أية ديموقراطية ومع تقدم العملية السياسية سيكون هناك مجموعات تتوافق على حكومة بقيادة مدنية لتحقيق الانتقال الديموقراطي وأخرى لا تتفق معها.
بعض التقارير الإخبارية تتحدث عن تقدم العلاقات بين السودان و روسيا، هل يقلقكم ذلك؟
نعم تابعنا تقارير إخبارية تكشف عن سعي روسيا تنفيذ اتفاق سابق مع البشير في العام 2017 لإقامة منشأة بحرية في بورتسودان. ومن المهم أن نقول أن العزلة الدولية حول الاتحاد الروسي والرئيس بوتين تتزايد حالياً بسبب الغزو غير المبرر لأوكرانيا.
وإذا قررت حكومة السودان المضي قدماً في إقامة هذه المنشأة أو إعادة التفاوض حولها سيكون ذلك ضاراً بمصالح السودان.ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من عزلة السودان في وقت يريد معظم السودانيين أن يصبحوا أكثر قرباً من المجتمع الدولي.
تتمتع جميع البلدان بحق سيادي في اختيار البلدان الأخرى التي تنشئ شراكات معها، ولكن هذه الخيارات لها عواقب. ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في أن تكون شريكًا للسودان ويمكننا أن نكون شريكًا جيدًا. لكن المفتاح الذي يفتح الباب أمام تعاون أكبر بين الحكومتين الأمريكية والسودانية هو تشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية وإطار انتقالي يعيد الانتقال الديمقراطي في السودان.