اعادتني مطالعة وجوه رجال جاروا، فجار بهم الزمان، استداروا يغافلون الناس اليوم بدعوي الوفاق، علي مائدة نصبها لهم امس السبت، بقاعة الصداقة، سلطان الغلبة الجائر، بأمر من عراب انقلابه المستتر، علي سنة من قال يوما، لاخ له من قبل:(اذهب للقصر رئيسا، وساذهب للسجن حبيسا).
انهم رجال اذ يعدون في السبت ايضا، يؤكدون حقيقة ان التاريخ على هذا الكوكب يصنعه الاخيار والاشرار معا.. فمن سنن الله أن جعل في الأرض ثقلين.. انس وجان، خرج من كليهما مخرجين.. مخرج صالح، ومخرج طالح.
مخرج صالح، هم “أولياء الله”، ومخرج طالح، هم “أولياء الشيطان”.
نعم الشيطان.. ذلك الكائن الذي لا نراه رغم انه موجود في عين المكان على الارض مثلنا.. يتبادل هو واولياؤه الوحي، بعضا لبعض، يزخرفون القول غرورا، لينتج هذا التواصل الخبيث من بعد، زوجين من الشياطين.. نوع نسمعه، نراه ونكلمه، وصنف أخر من ورائه، يرانا ولا نراه.. هؤلاء “شياطين الإنس”، واولئك “شياطين الجن”.
المهم انه كلما حل بارض أولياء الشيطان من الأنس، حلت بها كذلك شياطين الجن في وجود متلازم مقترن.
اذ حيثما حل بارض، الافاكون، الاثمون، الكذابون، الخراصون، من الأنس.. حلت معهم شياطين الجن على تلك الأرض، نعلا بنعل، وكتفا بكتف.. فقد قال تعالي: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ).
فالتحالف الشيطاني بين الأنس والجن، قادر بغلبته لو انه تغلب، على شيطنة الأرض، ومحقها ونزع بركتها، وعلي جعلها مرتعا خالصا لشياطين الانس والجن معا.
والعكس صحيح أيضا.. فإن اي ارض يحل بها “أولياء الله” تحل بها الملائكة، سواء الملائكة الطوافون، الذين يجدون في مراتع وحلق الذكر مبتغاهم، أو أولئك المبشرون، المكلفون بنقل البشارات، الي عباد الله الصالحين، الذين تتولاهم الملائكة بأمر من الله، في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، طبقا لقوله سبحانه وتعالي:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
وتبعا لاتساع دائرة وجود هؤلاء الذين قالوا بصدق ربنا الله ثم استقاموا، يتسع من ثم، نطاق تنزلات الملائكة، لتترحمن الأرض، باستقامة المقيمين، وبركة المتنزلين.
فالاستقامة هي عين الكرامة، التي صار السودان بفضلها، صندوقا لودائع الاخلاق البشرية النادرة، ومستودعا لأسمي انسانيات الإنسان المثلي، قبل ان تحل به جائحة ما جري في العقود الثلاث الماضيات.
اذ ظل السودان الذي يصطرع الآن علي أرضه أعتي الأشرار، ظل طوال تاريخه بلدا متقلب الأطوار.. يصعب عند كل منعرج إدراك أو تصور على اي شقيه ينقلب.
كما ان شعبه لخصائص فطرية تتصل بجيناته الوراثية، وبجذور تكوينه الاولي.. ظل دائما شعب “صعب المراس” قادر علي صنع المفاجآت المربكة، وعلي قلب الموازين، وقلب الطاولات علي رؤوس الطغاة والمستبدين.
اذ ان شعب السودان في الحقيقة، شعب “أمثل”، مصيره كقلبه، معلق بين اصبعين من أصابع الرحمن، يصعب التنبوء بتصرفاته، وحركاته وسكناته في النهاية.
حالتي
أشهد ألا انتماء الان
إلا انني في الآن لا