يبدو أن بعض الطيور في طريقها هنا، لأن تقع على أشكالها بالضبط، بأسرع ما يكون، أو شيئا فشيء.
إذ أن حالة من المخض العنيف تجري حاليا بشدة، لتعصف بكل الكيانات المتماهية تزلفا واستزلاما حتمه عليها واقع زلزال الثورة، والتغيير المخاتل والمفاجيء الذي فرضته المرحلة على لجنة النظام الإخواني الامنية.
حالة بات في حكم المؤكد انها ستجرف كافة التحالفات الهشة التي املتها ضرورات مرحلية كانت ملحة في وقت سابق.
فالظرف التاريخي الذي انتج تلك التحالفات يبدو أن الأحداث الجارية بسبيلها لان تتجاوزه، ان لم تكن قد تجاوزته بالفعل.
فذوي المزاج والنزوع السلطوي الاستبدادي، المفضي لنموذج حكم ديكتاتوري قابض.. سينجذبون الي بعضهم البعض اكثر.. مدنيين كانوا او عسكريين، كلما استشعروا تنامي للخطر الذي يحدق، ويحيق، ويحاصر اخر النسخ الانقلابية “انقلاب البرهان”.
في مقابل التحام طائفة من المتطلعين الي حياة كريمة تحت ظلال حكم ديمقراطي حقيقي.. يحترم حقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق الاقليات الدينية والعرقية على وجه أخص.. حكم يبسط أوسع فضاء لممارسة الحريات العامة والاساسية بطلاقة لا تحدها حدود او قيود.. حكم يراعي بايجابية الخصوصيات النوعية والثقافية بل والفردية.
ففي الوقت الذي لازالت فيه بعض الأحزاب، والقوي المهنية، والمدينة، والتنظيمات شبه السياسية الاخري.. تقدر انها لا زالت جزء فاعل في مشروع هذه الثورة.. الا ان حقائق كثيرة، وشواهد متعددة تترسخ يوما بعد يوم على الارض، تثبت ان قافلة هذه الثورة قد غادرت منذ حين ميممة شطر المستقبل، لا تلوي على شيء.. مخلفة غبارا كثيفا ربما حجب هو رؤية تيارات متباينة، و واجهات، وجهات، ظلت هائمة على وجهها في متاهة ما بعد سقوط الإنقاذ المتصنع والزائف، بغير هدى ولا كتاب منير.
ولعل مما ميز ثورة ديسمبر المجيدة عن سابقتيها أكتوبر وابريل.. انها ثورة مباركة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.
ولو لم تمسسها نار، تضيء جمرتها المقدسة هكذا ذاتيا، لتظل متقدة، لا يخبو لها اوار.
المهم فان بعض الهائمين على دروبها المشتبكة الوعرة ربما لا يدركون الي الان على الاقل.. أن خطام هذه الثورة لم يعد بذات الايدي التي كانت قد ابرمت و وقعت اتفاق ما يعرف ب”الوثيقة الدستورية” في العام ٢٠١٩ من مدنيين وعسكريين على حد سواء.
إذ أن هذه الثورة المدهشة تبدو في وجه من تمظهراتها وكانها.. لعبة سباق للتتابع يلتقط فيها متسابق شعلتها ليسلمها من بعد رهق لمتسابق اخر عند نقطة على الطريق ليقطع بها صنوه مسافة أخرى بقدر ما يطيق ويستطيع.
على هذا المنوال ظلت مسيرة ثورة ديسمبر تمضي نحو بلوغ خط النهاية المحتوم، الذي لا يعرف احد حتى اللحظة أي يد وقدم هي التي ستكمل اشواطه في نهاية المطاف.
فتجمع المهنيين السودانيين قبل أن تعتريه عوادي الدهر، وتحالف قوي الحرية والتغيير بكتله التاريخية الخمس، التي مزقها وعبث بها نزغ الجنرالات، ومكر الإسلاميين، واطماع قادة الحركات.
لم يكونا في الحقيقة سوي صاروخ دفع بغرفة احتراق.. يقتصر دوره كقوة دافعة على الزج بمركبة الثورة في فضاء عريض قبل أن ينفصل هذا التحالف عنها بشكل او باخر ليدعها تحلق وفق ميكانزماتها الداخلية الخاصة الي حيث شاءت، او شاء لها القدر.
لام.. الف
(أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم).
قرآن كريم
حالتي
اشهد الا انتماء الان
الا انني في الآن لا