تواجه البلاد عدم الاستقرار السياسي المستمر وانتشار انعدام الأمن اللذان يقيدان النمو الاقتصادي العام واهتمام المستثمرين. سيستمر عدم الاستقرار السياسي في الأعوام المقبلة مالم تحدث معجزة في التفاوض تقلب كل الموازين وهذا نتيجة حتمية ترتبت أعقاب انقلاب أكتوبر 2021، حيث أدت الظروف الاقتصادية السيئة إلى تأجيج الاحتجاجات العامة. مما لا شك فيه سيسعى النظام العسكري للاحتفاظ بالسيطرة السياسية من خلال التكتيكات القاسية، بينما يحاول في الوقت نفسه تنصيب حكومة دمية بعد الانقلاب، ولا يخفى على الملاحظ أن النظام يجد صعوبة في الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي ودائنين آخرين. عليه ستركز السياسة في السودان في 2022 على الحفاظ على هيمنة الجيش مع استمرار المظاهرات الوطنية التي تعطل النشاط الاقتصادي وتردع المستثمرين وتؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة التي تخنق الاستهلاك. وعلى الرغم من أن السودان لديه بعض أكبر احتياطيات المعادن والمعادن في إفريقيا خاصة الذهب ولديه القدرة على أن يصبح سلة الغذاء التالية في القارة إلا أنه سيظل متخلفًا عن جيرانه في القرن الأفريقي اقتصاديًا نظراً للبيئة السياسية غير المستقرة والافتقار إلى السياسات الجيدة.
تعتبر وحدة قوى الثورة صمام أمان الانتقال وعلى نحو غير متوقع أعلنت ثلاثة أجسام وهي تجمع المهنيين ــ لجان المقاومة ــ الحرية والتغيير في محلية الدويم عن تكوين مكتب تنفيذي ذي قيادة موحدة بهدف إسقاط انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، بُعيد وضعها لميثاق سياسي لإدارة ما بعد الإسقاط، الأمر الذي اعتبره الكثيرون خطوة في طريق الإسقاط، فهل من الممكن أن تنتقل هذه الخطوة لمناطق أخرى؟
لقد جربت القوى السياسية المعارضة لنظام الإنقاذ التوافق والجلوس مع العسكر في طاولة المفاوضات التي افضت إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ولكن ما لبثت أن اشتد عود الحكومة المدنية حتى تنصل منها العسكر محتفظين بالمناصب الرفيعة فيها والإبقاء على مكونات اتفاقية جوبا للسلام. فيما صرح القيادي بحزب المؤتمر السوداني وزير مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف بانه لا يوجد طريق آخر غير الجلوس مع السكر والسماع والحوار معهم أي مع المجلس العسكري الشريك السابق لقوى الحرية والتغيير، وهي خطوة براغماتية يرفضها طيف واسع من أبناء الشعب السوداني الذي يرى ان المجلس اراق دماء الكثير من المناهضين للانقلاب العسكري. فيما صرح محمد الفكي سليمان عضو الهيئة السياسية للتجمع الاتحادي وعضو مجلس السيادة الانتقالي السابق بأنه “إذا كان التفاوض المباشر يحقق الأهداف بإنهاء حالة الانقلاب وخروج العسكر من السلطة المدنية وتشكيل برلمان قوامه لجان المقاومة سنذهب على التفاوض”.
أن الحل الاستراتيجي والمنطقي والطبيعي في الحالة السودانية يكمن في جسم موحد لقوى الثورة السودانية متمثلة في قوى الشارع والقوى السياسية والتوافق على ميثاق موحد يمكن ان يوسع المشاركة لكل أطياف القوى الفاعلة وبذلك يتم التوافق على إعلان حكومة مكتملة الأركان وفرض حكومة أمر واقع تليها تحركات داخلية من الجيش من خلال القوى المؤمنة في التحول الديمقراطي تشجع هذه الخطوة وبالتالي يتم تسليم سلسل للسلطة والانتقال لإجراء انتخابات حرة نزيهة في وقت مناسب. ولكن يبدو أن هذا السيناريو مرفوض من المؤسسة العسكرية وهذا ما فشلت الالية الثلاثية الأممية التي تجول بين الفرقاء السياسيين السودانيين طول فترتها في الفترة الماضية.