كشفت مصادر مصرية، عن حالة من الاستياء والغضب داخل دوائر صناعة القرار المصرية المعنية بالملف السوداني، بسبب ما اعتبرته تضليلاً مارسه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، خلال زيارته الخاطفة للقاهرة نهاية الأسبوع الماضي، ولقائه رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل.
وبحسب المصادر، فإن المسؤولين في مصر فوجئوا بحديث حميدتي عقب وصوله إلى الخرطوم قادماً من موسكو، وإعلانه الترحيب بإقامة قاعدة عسكرية روسية على أراضي بلاده، وهو الأمر الذي كانت القاهرة قد أبدت اعتراضاً عليه في وقت سابق للمسؤولين في السودان، كونه يمثل تهديداً لأمن البحر الأحمر.
وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ”العربي الجديد”، أن حميدتي لم يتطرق خلال زيارته السريعة للقاهرة إلى هذا الملف، رغم أن هناك مستجدات طرأت عليه خلال زيارته إلى موسكو، وتوصله لاتفاق مع الجانب الروسي، بإحياء المشروع الذي كانت موسكو توصلت إليه في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.
وقال حميدتي، لدى عودته من زيارة لموسكو استمرت نحو أسبوع، إن بلاده ليس لديها مشكلة مع روسيا أو أي دولة أخرى في ما يتعلق بإقامة قاعدة بحرية على ساحلها على البحر الأحمر، شرط ألا تشكل أي تهديد للأمن القومي.
وأضاف: “أنا شايف إنو عندنا 730 كيلومتراً على البحر الأحمر، لو أي دولة تريد تفتح معانا قاعدة، ونحن عندنا فيها مصلحة ما بتهدد لينا (لا تهدد) الأمن القومي، نحن ما عندنا مشكلة نتعامل مع روسيا ولا غير روسيا”، مؤكداً أن أمر القاعدة من اختصاص وزير الدفاع.
وبحسب المصادر المصرية، فإن القاهرة تعارض هذا الأمر، رافضة إقامة أية قواعد أجنبية بالقرب من حدودها أو مناطق نفوذها ومصالحها.
وكشفت، في الوقت ذاته، أن هذا الملف كان أحد أبرز ملفات الخلاف بين مصر والإمارات، بعد لعب الأخيرة دوراً وسيطاً لدى السودان للتمهيد لتلك الخطوة. وأشارت إلى الأدوار التي لعبتها القاهرة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لمنع إقامة قاعدة تركية في السودان، سعت أنقرة لإقامتها عبر اتفاق مع البشير.
وكشفت المصادر أن اتصالات رفيعة المستوى من الجانب المصري، طالبت حميدتي والمسؤولين في السودان، بتوضيح للتصريحات الخاصة بملف القاعدة البحرية الروسية، مشددة على أن مشروعات كهذه يجب ألا تضر بمصالح دول الجوار.
وجاءت زيارة حميدتي الأخيرة لموسكو في وقت يسعى فيه للحصول على مساعدات اقتصادية، بعد أن قطع الغرب عنه المساعدات في أعقاب انقلاب أكتوبر الماضي.
ووفقاً للمصادر المصرية، فإن ما أثار مخاوف القاهرة، هو شروع روسيا في الاتفاق مع السودان في الوقت الراهن، في ظل وجود ما يشبه القاعدة العسكرية الروسية على الحدود الغربية لمصر، وبالتحديد في المنطقة الشرقية في ليبيا، حيث ترابط هناك بشكل غير رسمي عدد من المقاتلات التابعة لموسكو، تحت حراسة وتأمين عناصر مرتزقة “فاغنر”.
وقالت المصادر إنه سبق لمصر أن حصلت على وعد من المسؤولين في السودان، عبر آلية الدول المشاطئة للبحر الأحمر، التي تتخذ من الرياض مقراً لها، بتعطيل الاتفاق الموقع في عهد البشير، خاصة في ظل حالة التنامي للقواعد العسكرية لدول غير مصر، بشكل بات يهدد أمن الملاحة في واحد من أهم الممرات التجارية.
وتنص الاتفاقية الموقعة بين موسكو والخرطوم في وقت سابق على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان، قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، بالقرب من ميناء بورتسودان، بحيث تكون قادرة على استيعاب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني. كما يسمح للمنشأة استقبال أربع سفن في وقت واحد، على أن تستخدم القاعدة وفقاً للاتفاقية في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين، وكمكان يمكن أن يرتاح فيه أفراد البحرية الروسية.
ووفقا للاتفاقية، تقدم الحكومة السودانية الأرض مجاناً. وستحصل موسكو على الحق في جلب أي أسلحة وذخيرة وغيرها من المعدات التي تحتاجها عبر مطارات وموانئ السودان لدعم المنشأة، على أن تكون مدة الاتفاق 25 سنة، قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية بموافقة الطرفين.
وأعلنت الحكومة السودانية، في إبريل أنها أخطرت روسيا بتعليق العمل باتفاق كان قد أبرم بين موسكو والخرطوم حول قاعدة “فلامينغو” العسكرية البحرية، وذلك لحين المصادقة عليه من قبل الجهاز التشريعي للدولة السودانية.
وفي نوفمبرمن العام الماضي، أعلن القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أن الخرطوم لديها ملاحظات على الاتفاق مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان، مضيفاً أنه يجب معالجة هذه الملاحظات قبل المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق.
وعززت مصر من وجودها في البحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة، عبر إنشاء قاعدة عسكرية تقع في قرية برنيس، وبها قاعدتان بحرية وجوية، لحماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية، وتضم عدداً من الممرات، كل منها بطول 3 آلاف متر، بالإضافة لعدد من دشم الطائرات ذات التحصين العالي.
وتضم قاعدة برنيس البحرية رصيفاً حربياً بطول ألف متر وعمق 14 متراً، يسمح بمتطلبات الوحدات البحرية ذات الغاطس الكبير، مثل “ميسترال” والفرقاطات والغواصات، فيما تضم القاعدة العديد من ميادين التدريب والرماية.
وقامت القوات البحرية المصرية والقوات الأميركية، في يناير/كانون الثاني الماضي، بتنفيذ تدريب بحري بنطاق الأسطول الجنوبي بالبحر الأحمر.
وتضمنت التدريبات مجموعة من الأنشطة القتالية البحرية، منها تحليل صورة الموقف (سطحي، وجوي، وتحت البحر، وإلكتروني)، بالإضافة إلى تمارين المواصلات، والتدريب على إجراءات الأمن في البحر الأحمر، ومجابهة التهديدات البحرية غير النمطية، إلى جانب تمرين حماية سفينة تحمل شحنات مهمة، والتي أظهرت مدى قدرة الوحدات البحرية المشتركة على تنفيذ مهامها بدقة وإتقان للحفاظ على أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر.
وجاءت تلك التدريبات تأكيداً على “الشراكة الاستراتيجية والعلاقات الثنائية الممتدة بين القوات المسلحة المصرية ونظيرتها الأميركية” كما قال بيان عسكري مصري. كما نفذت القوات البحرية المصرية، الخميس الماضي، بعد يوم من إعلان حميدتي، مع نظيرتها الفرنسية، تدريبين بنطاق الأسطول الجنوبي في البحر الأحمر.