X
    Categories: اعمدة

عبدالرحمن الغالي .. يكتب .. حزب الأمة .. خطوات تنظيم .. ” سدوا الفرقة يا احباب “

كتب دكتور عبد الرحمن الغالي القيادي وعضو المكتب السياسي بحزب الامة القومي

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
حزب الأمة ….. خطوات تنظيم
( سِدّوا الفرقة يا أحباب)
(1)
حزب الأمة وريث حركة وحدت السودان وحررته وأقامت تجربة حكم سوداني مهما اختلف الناس عليها فقد تميزت بأنها حركة: شارك فيها كل السودانيين وتميزت بالاستقلالية والعزة الوطنية وبدرجة عالية من التضحية.
وأثناء الحكم الثنائي تميز بأنه كان رائد الحركة الاستقلالية وكان حزباً مدنياً جمع المكون المدني الحديث( الخريجين) والطوائف الدينية والكيانات القبلية وسائر المواطنين غير المنتمين فجمع بين القطاعين الحديث والتقليدي . وكانت له مؤسسات حرة القرار. وله مؤسسات منتخبة وأنه ربط بين كل مناطق السودان.

 

 

 

 

 

 

تميز نهجه بالقومية حيث سعى لضم أكب عدد من المكونات الوطنية. وبالتزامه باستقلال السودان واستقلالية القرار السوداني كما تميز بالتزامه الصارم بالديمقراطية نظاماً للحكم.
وفي خلال مسيرته تطور الحزب ليضيف:
– الالتزام بالدولة المدنية التي تكون المواطنة فيها هي أساس الحقوق والواجبات.
– اعترف بالتنوع والتعدد وأقام تحالفات مبكرة مع ممثلين للمناطق الأقل نمواً ومشاركةً ومع الحركات الاجتماعية المطلبية.
– الالتزام على الصعيد الحزبي بالمؤسسية والديمقراطية في تولي المناصب وباللامركزية حيث صار لفروع الحزب بالولايات مجال حركة أوسع.

 

 

 

 

 

 

– طوّر أساليب المؤتمرات لتجديد انتخاب القيادات وتجديد البرامج والدستور واتخذ ورش العمل وسيلة لتنظيم التفكير الجماعي لذلك جاءت برامج الحزب شاملة لأنها جماع تفكير الخبراء وأهل الشأن وعضوية الحزب.
– قدم الحزب في المنحنيات الصعبة أطروحات ساهمت في نفع البلاد وانقاذها منذ تكوينه: من تكوين الجبهة الاستقلالية التي حققت شعار السودان للسودانيين، إلى كتابة ميثاق أكتوبر وميثاق أبريل والمساهمة الكبيرة في كتابة ميثاق الحرية والتغيير.
(2)
تعرض الحزب لمؤامرات ومحاولات هدم مستمرة لا سيما من قبل أطراف داخلية: الحكومات الدكتاتورية والأحزاب المنافسة لا سيما الايديولوجية منها. ومن أطراف خارجية: إما طامعة في البلاد وثرواتها أو طامعة في طمس الذاتية والهوية السودانية.
استخدمت تلك الأطراف كل الأساليب: المادية والمعنوية من قتل وسجن ونفي ومصادرة ممتلكات وتضييق إلى الاختراق وشراء ضعاف النفوس إلى تشويه سيرة الحزب وقادته عبر حملات ضخمة منظمة إلى غير ذلك من الوسائل.
صمد الحزب في وجه كل تلك المحاولات وخرج بخسائر قليلة نسبياً ومكاسب ضخمة جعلته الرقم الأول انتخابياً والأول في المعارضة.
(3)
حافظ الحبيب الإمام الصادق على الحزب وخطه في وجه تلك المؤامرات الضخمة التي سُخّرت لها إمكانيات الدولة: المالية والاستخبارية والاعلامية والقمعية وكذلك إمكانيات دول أجنبية عديدة:
– حافظ على وحدة الحزب وتماسكه إلى حين انتقاله عليه الرحمة والرضوان.

 

 

 

 

 

– حافظ على خطه الرافض للتنازل عن ثوابت الحزب:
• فرفض الانخراط في النظم الشمولية رغم الاغراء الداخلي والخارجي ورغبة بعض قيادات الحزب.
• ورفض القبول بالتطبيع مع اسرائيل.
• وحافظ على التمسك الصارم بالمؤسسية داخل حزبه والالتزام بالقرارات الجماعية.
• وحافظ على استقلالية القرار الوطني حزبياً ووطنياً أثناء الحكم.
ساعد على ذلك التماسك وتلك المواقف:
– كاريزما القائد وقدرته على الاقناع وتحمله للرأي الآخر.
– إرساء القائد لأدبيات ومرجعيات فكرية وأخلاقية صارت هادياً لكل قواعد وقيادات الحزب مما سهل عملية الاتفاق حول المواقف.
– وجود قواعد صلبة متجردة مبادرة وفدائية لا سيما قواعد الحزب من الأنصار.
– الحيوية ووجود مجال للتصحيح الذاتي عبر الحوارات الديمقراطية وورش العمل واحترام رأي المؤسسة.
وبما للحبيب الإمام من كاريزما وتجربة سياسية وبُعد روحي استطاع أن يحتوي هجمات ومؤامرات النظام الانقاذي البائد ومحاولاته للاختراق وشق الصف، فاحتوى عدداً من القيادات المتمردة أو المتطلعة داخل الحزب وأشركهم في مناصب الحزب غير الانتخابية فأبطل خطط التآمر على الحزب بالانشقاق.
(4)
كان الحبيب محل اجماع الجميع ومحل ثقتهم وضامن مشاركتهم وعدم اقصائهم وعامل تماسك للحزب والموفق الأعظم بين المواقف والتوجهات والمتناقضات. وبعد انتقاله عليه الرحمة والرضوان ظهرت على الحزب آثار تلك الفجوة الكبيرة:
– اختلت البوصلة نوعاً ما حيث هرع الحزب للمشاركة في الحكومة دون تقديم مبررات كافية لقواعده وللرأي العام. ورجع للحاضنة دون تبني الاصلاحات المطلوبة.
– ظهرت تفلتات تنظيمية على مستوى القيادات بل رفض بعضها الانصياع لقرارات هيئة ضبط الأداء.
– ظهر تعدد الأصوات في عدد من القضايا.
– ظهر الاختلال في التوازن بين مكونات الحزب مما جعل كثيراً من القواعد تخشى اختطاف الحزب بواسطة جماعات جاءت بها سياسة الاحتواء ولم تُظهر ولاءً تنظيمياً مؤسسياً.
– وجاء انقلاب 25 أكتوبر ليظهر الحزب بمظهر سيء للغاية هز صورته أمام الرأي العام. فقبل الانقلاب ذهب فصيل للتحالف مع الحرية والتغيير المجلس المركزي وذهب فصيل آخر للتحالف مع الحرية والتغيير الميثاق ثم تراجع عن ذلك تحت ضغط كوادر الحزب. وواصلت لجنة الحزب المكونة قبل الانقلاب للتواصل مع أطراف الأزمة السياسية عملها بعد الانقلاب وتواصلت مع المكون العسكري رغم قرار مجلس التنسيق بوقف الاتصال مع الانقلابيين بل ظهر رئيس الحزب المكلف والأمين العام في حفل توقيع اتفاق البرهان حمدوك قبل أن ينسحبا منه مما أربك المشهد وقسم قواعد الحزب حول الاتفاق نفسه.
– يحمد للحزب أن بوصلة مؤسسته كانت صائبة بعد الانقلاب في أغلب الأحيان رغم تضارب تصريحات ومواقف قياداته. فأدانت المؤسسة الانقلاب ولم توافق على اتفاق البرهان وحمدوك فجاءت بيانات الحزب الرسمية كلها في نفس الاتجاه.
– لكن الحزب وقع في فترة من الجمود وتجاذب الرؤى داخله بعد الانقلاب، فسايرت بعض قواعده الشارع في كل مواقفه الصحيحة ( مثل رفض الانقلاب ورفض الاتفاق وضرورة استمرار الضغط والتصعيد الثوري) وفي بعض المواقف غير الصحيحة مثل رفع اللاءات الثلاث دون تقديم بديل. بينما مضى البعض الآخر في مسايرة خط حمدوك الذي قبل بالعمل من داخل منطق الانقلاب. وظل قطاع عريض ينشد طريقاً ثالثاً يحافظ على الثوابت والمبادئ ويقدم طرحاً موضوعياً يشكل مخرجاً.
(5)
خارطة الطريق:
بعد اجتماعات ماراثونية ولجان صياغة تم إعداد خارطة الطريق وتم إجازتها من مجلس التنسيق الأعلى والمكتب السياسي لتقدم وصفة يمكن ابتدار النقاش الوطني حولها وفي نفس الوقت يمكن أن تحافظ على وحدة الحزب وتماسك لحمته وطريقه الثالث.
هناك عوامل أضعفت وستضعف خارطة الطريق منها :
• ظهور قيادات من الحزب في مناشط موازية قبل وبعد اجازة الخارطة من المؤسسات سواء أكان ذلك مع جماعة ميثاق حمدوك- البرهان أو مع قوى الحرية المجلس المركزي بلاءاته الثلاث.
• ولكن أكبر خطأ وقع فيه الحزب وبعض قياداته العليا هو ابتدار وبدء تسويق الخارطة مع البرهان بدلاً من خلق اجماع وطني حولها مع الجبهة المناهضة للانقلاب ومع أحزاب الحرية والتغيير المجلس المرركزي والاحزاب والكيانات المعارضة خارجه.
– فمن ناحية نصت الخارطة نفسها على أولوية توحيد القوى الرافضة للانقلاب والمطالِبة بالعودة للمسار الديمقراطي وبالتالي كان من المنطقي البدء بتلك القوى ثم الانتقال بموقف تفاوضي وطني متفق عليه لمقابلة المكون العسكري وحلفائه.
– ومن ناحية أخرى عملت تلك الخطوة على حدوث انقسام وسط كوادر الحزب قبل أن يهنأوا بفرحتهم بإنجاز الخارطة كموقف وطني عاقل للخرروج من الأزمة.
– ومن ناحية ثالثة عمقت شكوك الشارع والقوى السياسية في مدى التزام الحزب برفض الانقلاب مع العلم أن موقف الحزب وقواعده وحتى موقف كل قياداته المعلن هو رفض الانقلاب.
– ومما يضعف الخارطة ويبطل فعاليتها تماماً، قمع الانقلابيين العنيف لحراك الشارع حيث سيرتفع سقف مطالب الشارع المرتفع أصلاً مما يعيق الوصول للحلول التنازلية وتحديداً عودة الشراكة بصورتها القديمة بنفس رئيسي المكون العسكري.
– وبالطبع فإن التوجه بالخارطة للعسكريين قبل غيرهم سيخفف الضغط عليهم ويسهم في شق جبهة المعارضة إذ كان يجب أن تلعب الخارطة دور الحصار من ثلاث جهات وترك جهة رابعة للعسكر تكون هي مكان المخرج الآمن التفاوضي المفضي لابطال الانقلاب وعودة المسيرة الديمقراطية. إن ترك باب مفتوح للحل السلمي مطلوب بل هو المخرج الوحيد لكن بعد بناء الحوائط التي يقوم عليها الباب وهي الحلفاء الداخليين من شارع وقوى مدنية وسياسية وعسكرية والقوى الاقليمية والقوى الدولية. ولكن المبادرة بدأت بأولويات مقلوبة مما سيؤثر حتماً عليها إلى حين.
(6)
المطلوب الآن:
المطلوب خطوات تنظيم على النحو الآتي:
أولاً: إعلان جميع قيادات الحزب إلتزامهم بخريطة الطريق ( بغض النظر عن جدواها في نظر البعض طالما أنها قرار المؤسسة الجماعي). وعدم التصريح أو المضي في أي موقف مخالف لها : فمن ناحية لا ينبغي الحديث في أي منبر جماعي يتحدث عن اللاءات: لا شراكة – لا مساومة – لا تفاوض إلّا بتوضيح أن لنا موقفاً ثالثاً هو خارطة الطريق. ومن الناحية الأخرى رفع اليد تماماً عن أي تواصل مع المكون العسكري أو لجنة وضع الميثاق المنبثقة من اتفاق حمدوك البرهان ورفع اليد عن التواصل مع حمدوك إلا بعد حوار كل القوى المناهضة للانقلاب ( المجلس المركزي – المهنيين وغيرهم من الكتل المؤثرة) في محاولة لتكوين رؤية مشتركة وموقف تفاوضي واحد يشد انتباه الوسطاء ويحرك الجمود)
ثانياً:
• تعيين ناطق رسمي من الذين لم يظهروا في أي موقف مخالف لتوجهات الحزب أو أي موقف تماهى مع مواقف الآخرين في تجاهل لرأي المؤسسة.
• وأن يكون الناطق بعيداً عن تجاذب الرؤى وملتزماً باعلان أي موقف جماعي تتفق عليه المؤسسات.
• وألّا يصرح إلّا بما اتفقت عليه المؤسسات.
ثالثاً: وهذه أهم نقطة: هناك سعي حثيث لاصدار ميثاق سياسي يكون بمثابة ” المحلل” للانقلاب يتم بموجبه تكوين الحكومة والمشاركة فيها. يجب تجنب هذه الخطوة الخطيرة لأنها إن حدثت فستحدث انقساماً في الحزب.
بوادر هذه الخطوة بدأت بحشد المبررات وشحذ الأسلحة التي من بينها استخدام الجهوية كسلاح ضار بوحدة الحزب وبوحدة السودان. فالحذر الحذر من ارتكاب مثل هذه الخيانة الوطنية والدينية فهذا إن حدث لا قدر الله سيكون أسوأ من الانقلاب العسكري نفسه فالبلاد هشة والتكالب الأجنبي عليها كبير وحزب الأمة هو صمام أمان النسيج الاجتماعي كونه الحزب الوحيد الذي يضم كل المكونات والمجموعات السودانية.
نقول ذلك من باب التحوط ولكن بإذن الله لا خوف على هذا الحزب العملاق فهو يتميز:
• بفكر ومبادئ راسخة.
• وبإرث نظري وعملي رسخه الحبيب الإمام.
• وبكوادر متشبعة بتلك المبادئ والأدبيات.
• وبقواعد صلبة ومتمددة.
• وبتاريخ وسجل نظيف.
• وبدستور ولوائح ومؤسسات وآليات للتصحيح واختيار القيادات ومراقبتهم واستبدالهم.
كل ذلك يبعث الاطمئنان في مسيرة الحزب مهما اعترضته العوائق لذلك ننصح قيادات الحزب بعمل ( خطوات تنظيم) تلتقط فيها الانفاس وتنظم الصفوف وتسد الثغرات وتفوت الفرصة على المتربصين وتساهم في انقاذ الوطن واسترداد الديمقراطية والمحافظة على وحدة واستقلال واستقرار السودان وتحقيق كرامة وأمن ورفاهية المواطن.
والله الموفق لذلك وهو الهادي إلى سواء السراط.
عبد الرحمن الغالي
الجمعة 31 ديسمبر 2021