الرقعة الجغرافية الواقعة شمال شرق كردفان والمتاخمة لولاية النيل الابيض وتحديدا التي تتبع لمحلية ام روابه تعد مثالية في التعايش السلمي ، رغم حالة السيولة التي شهدها السودان مؤخرا ، ما يعنينا هنا قبيلتي البزعة والجوامعة هاتين القبيلين صحيح لم يذكر التاريخ في نسب القبائل ما يجمعهم ، لكن انطبق عليهم الحديث ” رب اخ لك لم تلده أمك ” واعتقد منذ تأسيس الدولة السودانية الحديثة متعايشين ومتصاهرين وكثير من الاسر تجد احد الوالدين هذا بزعي وهذا جامعي ، واصبح مصيرهم مشترك والشواهد كثيرة ، ابرزها منتصف ثمانينات القرن الماضي حين ضربت موجة الجفاف كل انحاء السودان ، وحصل نزوح الى المدن من كل الريف السوداني فنجد البزعة والجوامعة حتى لما اتوا للعاصمة وبقية المدن اصبحوا متجاورين ، فايضا جمعهم السكن وكذلك اماكن العمل ” الاسواق المركزية نموذجا ” ، وايضا متكاتفين في الملمات الافراح والاتراح .. وهذا لا بعني بانهم لا تقع بينهم خلافات بل وقعت كثير من المشاكل واذكر منها وانا في اولى ابتدائي ١٩٧٦م وقعت مشكلة بين اسرتين بزعة وجوامعة وراح ضحيتها حوالي عشرين شخص من الطرفين واذكر حينها تدخل الجيش ودخل القرى منزل منزل وجمع الاسلحة النارية واصبحت القضية قضية قانونية ثم انتهت بالصلح وعاد التعايش السلمي ولم تنجر القبيليتن لعداء يشمل الجميع ، فكانت نموذجا لنبذ النعرات القبلية .. والحقيقة الثابتة بأن نظارة الجوامعة وهي القبيلة الاكبر في المنطقة بقيادة الناظر هارون تضم كل قبائل المنطقة بما فيهم البزعة ، ويحظى الناظر بالتقدير والاحترام .. ويذكر آباءنا بان الرئيس الوحيد الذي زار ديار البزعة والجوامعة هو الزعيم الراحل اسماعيل الازهري الذي خطب فيهم قائلا ” البزعة فزعة الجوامعة والجوامعة فزعة البزعة ” .. وشخصي الضعيف محسوب على البزعة وشهادتي فيهم مجروحة ولكنني اعتز بأهلنا الجوامعة هم اهل علم وثقافة وأدب وحسن خلق وطيب معشر ونموذجا للتسامح ، وأما أهلي البزعة تملكهم الجوامعة بهذه الصفات لأن القاعدة المطبقة بينهم ” اذا اكرمت الكريم ملكته واذا اكرمت اللئيم تمرد ” .. الان مع تطور كثير من الاوضاع وان الحياة متحركة واسرتا الجوامعة والبزعة تمددتا كثيرا فاراد البزعة بان تكون لديهم نظارة قائمة بذاتها تدير شئون اهلها وهذا الامر طبيعي لأن عندما كانت النظارة واحدة كان السودان مديريات ومحافظات وكان ستة اقاليم ثم اصبح أكثر من عشرين ولاية ثم اصبح دولتين شمال وجنوب وفي الشمال فقط ثمانية عشر ولاية واكثر من مائة وتسعين محلية فأين تكمن المشكلة في ان يكون للبزعة نظارة يتولاها شخص من بينهم ، يكون قريب من قضاياهم ويخفف العبء على النظارة التاريخية ويكون الود بينهم قائم وخاصة هذا التوجه لم يات نتيجة لاي نزاع بين القبيلتين ، بل حوجة البزعة زادت مع تطور وسائل التواصل فالبزعة عرفوا اهلهم في حميع انحاء السودان ليس الموجودين في امارة الجوامعة وهم فقط ثلاث عموديات لكن هنالك بزعة شرق وشمال دارفور في ام كدادة وابوحميرة وام قوزين وغيره وايضا في غرب بارا مليحات وهنالك بزعة في سنار والنيل الازرق السوكي وسنجة وريبة واحياء كاملة بود مدني مثل حي ودبلال وايضا قرى كاملة في ولاية القضارف مثل الفاو القرية “٣٦” وايضا هنالك بزعة في شرق السودان .
بل للبزعة هدف اساسي هو بعث تاريخهم التليد المتمثل في جدهم الشهير الشيخ القرشي ودالزين طيبة القرشي محلية الحصاحيصا ولاية الجزيرة … اذن الهدف من النظارة ليس تنازع وتفاخر واهداف قاصرة بل الهدف الاسمى منه هو جمع شمل والدفع بهذه القوة لربط النسيج الاجتماعي والمنافسة في اعمال الخير ، وهذا لا يمحو التاريخ التليد الذي يجمع البزعة والجوامعة ….
بالتاكيد قناعتي الشخصية بان الادارة الاهلية يجب ان تنأى بنفسها عن الصراع السياسي وان لا تزج بمنسوبيها في المعترك الآسن وخاصة بان الادارة الاهلية لها ادوار مهمة يجب ان تطلع بها كما للطرق الصوفية ولم تخترق قدسية هذه الكيانات الا بعد أن دخلت في المزايدات السياسية ..
بالتأكيد نحن كصحفيين في عرفنا الصحفي تناول الشان القبلي بما يؤجج الصراعات ويثير النعرات والتفرقة هذا من الخطوط الحمراء حتى الحقائق المثبتة اذا كانت مدعاة للفتنة يجب على الصحفي ان يتجنبها لان عواقبها وخيمة ودائما الصراعات الاهلية ليس فيها منتصر ..
ما دعاني لهذا السرد مقال وزعه الزميل الزين كندوة تجاوز فيه حدود العرف الصحفي ولم يراع الخصوصية في العلاقة بين البزعة والجوامعة وهو يعتقد بأنه سيسهم في وأد نظارة البزعة الناشئة بقيادة الشاب الباشمهندس اسامة محمد الفكي الذي يتأهب لاستقبال قيادات الادارة الاهلية من جميع انحاء السودان بداره العامرة بكافوري الجمعة القادم واستند الزين على ثلاثة نقاط اولها احقية الجوامعة بقيادة البزعة وفي ذلك زج بوكيل ناطر الجوامعة طارق هارون في معترك بلا طائل .. ثم استند على خطاب من وزارة الحكم الاتحادي بايقاف تسجيل نظارة جديدة .. والنقطة الاخيرة استند على رفض بعض ابناء البزعة للناظر اسامة .. رغم ان ذلك ليس من مهام صحفي ان يفتي فيها وهي تندرج في إثارة الفتن بإمتياز ويعاقب عليها قانون الصحافة .. وحتى اذا كان الزين مقتنع بصحة حجته واثارها لدرء مشاكل كان عليه توجيه هذه التخوفات مباشرة للناظر اسامة ، أو من حوله وخاصة بأنه خلال الاسبوع الماضي هنالك لقاء جمع الزين بالناظر اسامة ولم يفتح الله عليه بكلمة في هذا الشأن وخاصة بان هذا اللقاء كان يجمع ابناء البزعة والجوامعة مع بعض لأمر خير ..
لكن حتى تضح الرؤية للجميع بان النقاط التي اثارها الزين لن تحول بين البزعة وبين إدارة شؤونهم وخاصة بأن الناظر اسامة لم يتخط نظارة الجوامعة وتم الامر بمشورة الوكيل طارق واخذ مباركته .. اما خطاب بثينة دينار الايقاف مؤقت واحترام القانون واجب ولكن المتعارف عليه الادارات الاهلية لا تصنعها القوانين بل دور القوانين تنظمها وتوجهها والادارات الاهلية تنشأ بإرادة الاهالي ولها قانون ثابت لا تلغيه بثينة او غيرها وهو ينبع من صلب هذا الشعب ومورثه الديني والعرفي والحديث الشريف ” ان كنتم اثنين فاليأمر احدكم الآخر ” ..
اما النقطة الاخيرة التي عزف عليها الزين كندوة بأن بعض ابناء البزعة يرفضون الناظر أسامة .. اعتقد ذلك امر طبيعي وليس هنالك اجماع كلي من البشر على شئ وهذا ليس منقصة في حق اسامة او النظارة الناشئة لكن الحقيقة الماثلة الاجماع الذي وجده اسامة لم تجده حتى نظارات قائمة لها تاريخ طويل ومن يكذب عليه أن يحضر لقاء الجمعة القادم مباركة القبائل لاسامة وتداعي البزعة من كل انحاء السودان لحضور هذا اللقاء ..
حقيقة الزميل الزين كندوة بعث لي بمقاله في الخاص وطلبت منه سحبه والاعتذار لان الاعتذار فضيلة وقيمة لنا نحن في هذه المهنة وخاصة بأن اسامة لم يدع لتأسيس حركة مسلحة او كيان مناهض لقيمنا بل هو جمع الناس للاسهام في بناء هذا المجتمع وعلى الزين ان يعلم بان اسنة الاقلام أمضى من اسنة الرماح .. وانا عند وعدي له لم ارد عليه شخصيا حتى الان لان عشمنا فيه لم ينقطع بان تكون اقلامنا محضر خير في شئون اهلنا بزعة وجوامعة ولكل اهل السودان .. والسلام على من اتبع الهدى ..