الاحداث السياسية التي تضج بها الساحة السودانية وصلت درجت عالية وطغت على كثير من الاحداث الهامة جدا ، ويبدو أن ما يدور داخل اروقة المحاكم لا يقل سخونة وأهمية من الحراك الذي يلازم التغيير في البلاد ، واحدة من هذه القضايا الهامة جدا وتستحق لفت نظر الرأي العام ومؤسسات الدولة من اعلى قمتها الى اصغر مؤسسة ، هي قضية يبدو في ظاهرها مجرد قضية بين خصمين اثنين وضعت امام منضدة القضاء ليقول كلمته أما إدانة أو تبرئة ، وأعتقد هذه هي القاعدة التي سيبني عليها قاضي محكمة الخرطوم شمال الذي ينظر في القضية الشاكي فيها شركة كوفتي للمواد الغذائية لصاحبها صديق محمد صالح والذي يتهم الشاب محمد صديق سليمان لارتداد شيكات بمبلغ يفوق ال “٢٦” تريليون ، جلسات كثيرة مرت على هذه القضية وتعاقب عليها قاضيين أثنيين وحضر أغلبها اجهزت الاعلام .. بالطبع القاضي هو الوحيد الحكم وله وحده الحق في إصدار القرار النهائي ولا يقبل التدخل الا من سلطة قضائية أعلى .. لكن الشاهد في الأمر ما تكشف للرأي العام بسبب هذه القضية من فساد على مستوى عالي جدا اقتصادي ، إداري وكذلك الأجهزة العدلية ، وبإختصار شديد هذه القضية التي ينظر البعض بأنها قضية جنائية عادية مثلها ومثل الالاف من سجناء تحرير الشيكات بدون رصيد أما أنهم شركاء في هذا العبث بمقدرات هذه البلاد وأما أنهم جهلاء لا يعرفون قيمة المعلومات التي تحمي هذا الوطن ومقدراته الاقتصادية ، بالتأكيد هذه القضية أصبح المهم فيها ليس قرار الحكم تجاه هذا الشاب بالإدانة أو التبرئة بقدر ما هو تكشف من قضايا كثيرة ومتشابكة ، حيث كل جلسة يظهر فيها من الوقائع جهابزة من المتهمين الأمر الذي أدهش كل الزملاء المتابعين بأن الذين زجوا بهذا الشاب في هذه القضية اصبحوا ” كانهم يساقون للموت وهم ينظرون ” وهنالك أمر محير آخر . هو كيف يمضي الشاكي في قضية ليس خاسرة فقط بل كل جلسة تكشف ما يدينه هو أكثر من المتهم حتى لو ثبتت عليه التهم الموجهة له خاصة اذا كانت الخسارة مزدوجة أو متراكمة اذا اخذنا في الاعتبار صاحب الشكوى بأنه اسم عمل عملاق وتاريخ طويل ينظر لهم الشارع بأنهم من الراسمالية الوطنية التي تعتبر النزاهة لهم من القيم والثوابت ، وكذلك التهم التي طالت هؤلاء والتي اذا ثبتت ستفقدهم اضعاف مطالبتهم لهذا المتهم ، هذا اذا لم تخرجهم من دائرة الفعل التجاري نهائيا .. أكيد ذلك لم يكن من اختصاص هذه المحكمة التي وضع أمامها بلاغ محدد تحت المادة ” ١٧٩” تحرير شيكات بلا رصيد لكن التهم التي طالت الشاكي سيصبح الخصماء فيها جميع المواطنيين السودانيين واكيد تمثلهم مؤسسات الدولة العدلية .. وبالطبع القضايا المذكورة تندرج كلها تحت طائلة المواد الجنائية المتعلقة بتخريب الاقتصاد وهنا المتهم ليس كوفتي وحدها بل البنوك التي تواطأت معها في المرابحات الوهمية وهي بالتريليونات وكذلك شركاء كوفتي من اسماء الاعمال وبنك السودان ووزارة المالية وكل من يثبت تعامله معهم في هذه الممارسات ، بل حتى المتهم يجب أن يسأل لماذا صمت قبل هذه القضية ولم يبلغ ، الشاهد في الأمر تفاصيل هذه الاتهامات وردت في مرافعات الدفاع بقيادة المحامي الضليع الدكتور عادل عبدالغني وكذلك كل الشهود .. شهود الخصمين الشاكي والمتهم كانت معظمها تدين الشاكي وتبرئ المتهم .. ولكن المفاجأة كانت في شاهدي الدفاع اللذين استمعت لهما المحكمة في جلسة امس ١٣ ديسمبر .. لكن قبل ما أروي ما أدليا به اصدقكم القول كنت متوقع مفاجأة من قبل الشاكي شركة كوفتي تقلب الموازين مع أمنيات بالطبع بتحقيق العدالة وانصاف المظلوم .. لكن احساسنا نابع من أن كوفتي أي الشاكي محجمة عن الاعلام وتبدو كأنها مدخرة شيئا ما ونحن بغريزتنا الصحفية نتحسس المعلومة وبالتأكيد المعلومة المبزولة هي صيد الصحفي ولذلك تجد أكثر الاخبار في الصحف تعبر عن لسان حال المتهم وذلك نسبة لتدفق المعلومات من المتهم نفسه وشهود دفاعه وهيئة الدفاع ومسنودة بمستندات ، غير أنها مطروحة أمام القاضي .. ورغم ذلك سعينا لعكس وجهة نظر الجهة الأخرى الشاكي شركة كوفتي وخاصة لما علمنا بأن محامي قضيتهم هذه الاستاذ احمد خليل هو عضو في لجنة ازالة التمكين ذهبنا له اكثر من مرة في مكتبه بالمجلس التشريعي ولم نتمكن من مقابلته ، وللحقيقة والتاريخ قابلت الاستاذ وجدي صالح الذي أجابني بأن ما يقوم به أحمد خليل لخدمة قضية كوفتي يدخل في جانب عمله كمحامي وليس له صلة بعمل اللجنة .. بالأمس والاستاذ احمد خليل وهو خارج من قاعة المحكمة أوقفته لنوجه له بعض الاسئلة لكنه بدأ مستاء مننا في اعتقاده بأننا ننقل من طرف واحد ورددت عليه ماذا أنتم قلتوا حتى لم ننقله عنكم ، ومضى في حال سبيله دون رد أو توقف ..
بالرجوع لمفاجأة أمس المتمثلة في الشاهد السادس هو عقيد شرطة مدير قسم الخرطوم شمال أثبت في شهادته ما كان يردده المتهم بأن الشاكي صديق محمد صالح أستخدم نفوذه عبر النيابات وبعض أفراد الشرطة لتلفيق هذه المواد الجنائية .. حيث أكد مدير القسم بأن التحريات في هذه القضية لم تمر عبر القنوات الطبيعية وهنالك تجاوزات ..
أما الشاهد السابع وهو المراجع القانوني ذو ال ٧٣ عاما مصطفى سالم بيومي جاء للمحكمة وهو محملا بالخبرات والمستندات حيث أكد في سيرته الذاتية بأنه راجع بنوك وشركات اتصالات وشركات كبرى مثل شركة دال .. ووضع أمام القاضي ملف يحوي تقريبا أكثر من خمسمائة مستند وملف آخر به تقرير من أربعة وسبعين صفحة .. وأكد في أقواله بأن راجع كل المستندات والتحريات ومحاضر المحكمة في هذه القضية في الفترة الزمنية التي يدور حولها الاتهام أي من يوليو ٢٠٢٠م وحتى ابريل ٢٠٢١م وملخص ما توصل له بأن المتهم محمد صديق مجرد وسيط بين كوفتي وأسماء الاعمال المذكورة وأن كل المبالغ التي وردت لحسابه لا تتجاوز اقل من ١% .. بل ذهب أبعد من ذلك بأن كوفتي مطلوبة لاسماء الاعمال التي تتعامل معها أربعة تريليون وأن حجم التعاملات بينهم حوالي ثمانية وثلاثين تريليون جنيه .. ثم أكد بأن نشاط كوفتي مع أسماء الاعمال هذه هو تجارة عملة وأن المرابحات التي قاموا بها صورية بمعني لا توجد سلع وقال بأن هذا النشاط أسهم في التضخم الذي ضرب اقتصاد الدولة … وحمل هذا التقرير الذي قدمه المراجع القانوني الكثير المثير .. الذي يخرج بهذه القضية مباشرة بحجم أكبر بكثير من قضية هذا الشباب الذي يبدو أنه متعايش تماما مع حبسه ولم يكن قلقا أو متسرعا لخروجه ما دام كل جلسة تأتي بشهود تورط من زجوا به في الحبس وألبسوه هذه التهم .. ونحن أصبحنا أمام متهم بسيط جدا ومسؤليته تكاد تتلاشى رغم وجوده في المحبس .. وفي انتطار متهمين أساسين خارج الاسوار متى يجمع الله شملهم بهذا المتهم أو يبادلهم الأدوار .. ويخرج هو للفضاء الواسع لينتظروا هم جزاءهم الذي يليق بهم .. والله هو الحكم العدل الذي لا يظلم عنده احد ..