لعلها جسارة الشباب.. والرغبة في التفوق الصحفي.. وحب السفر او عشقه وهو عشق ما زال يلازمني ولا استطيع منه فكاكا.. ولكنه عشق جميل مازال محتدما وقويا رغم تسرب سنوات العمر بين ثنايا الاصابع..!!
تلقيت ذات صباح في ابريل 1994اتصالا هاتفيا من اخي وصديقي الاستاذ عبيد سلطان رحمه الله وكان وقتها رئيسا لتحرير الاتحاد.. رقال لي هناك تغطية صحافية مهمة في مدينة (هيرات) في غرب افغانستان.. مؤتمر شَوري للحكومة الأفغانية في عهد الرئيس برهان الدين رباني.. ولقد رشحتك للسفر.. فماذا ترى..؟ ولقد وافقت على التو دون تردد!! وكانه كان يتوقع موافقتي.. وقال سياتي اليكَ رجل افغاني في مكتب الشارقة.. حيث كنت اعمل وقتها .. ويتفق معك على تفاصيل السفر.. قلت.: تمام.. انا جاهز.
الرجل الأفغاني وكانه كان على مقربة من مكتب الاتحاد في الشارقة على امتداد شارع الوحدة.. وهو المكتب الذي اختاره واسسه الراحل المقيم عبيد سلطان عندما كان مديرا لمكتب الاتحاد في الشارقة بدلا عن مكتبنا السابق في شارع الملك فيصل بناية سبينس.. تلك الأيام.
صافحني رجل قوي البنية مربوع القامة ملتحي يلبس الزي المعروف عند الافغان.. وسلم علي بلغة عربية سليمة.. واخرج لي ورقة مطبوعة فيها خبر عن انعقاذ موتمر الشورى في مدينة هيرات الافغانية التي اسمع بها للمرة الاولي.
واضاف انه سيرافقني الى هناك ويذلل مهمة سفري.. واردف قائلا: سنسافر عبر ايران ومنها إلى هيرات وهي قريبة من الحدود الإيرانية.. قلت له ضاحكا: يارجل تريدني ان اسافر الى افغانستان عبر إيران.. واجمع مصيبتين في وقت واحد.. وضحك الرجل مقهقها.. وقلت له بحزم : لن اسافر عبر ايران.. اذا عندك خيار آخر فانا معك.
فكر الرجل هنيهة.. ثم قال: هل تسافر عبر تركمانستان..؟ قلت ضاحكا : واين هي تركمانستان..؟ قال :هي في آسيا الوسطى وعلى الحدود مع افغانستان ومع ايران ايضا.. وعاصمتها هي عشق اباد.. وما ان قال لي: عشق اباد حتي انتفضت وكان عشقامسني.. سرى في جسدي وقلت سريعا: انا موافق.. لكم اشتاق الى رؤية عشق اباد فلقد عشقت اسمها منذ زمن..وكنت احسب انها من مدن الزمن الغابر..!
قال: ولكني لن اسافر معك سالحق بك في هيرات.. قلت: لا باس.
سافرنا انا و الافغاني وهو امام مسجد في الشارقة وقتها.. الى ابوظبي وتحصلت سريعا على تأشيرة دخول الى تركمانستان من السفارة الروسية هناك.. ثم سافرت في اليوم التالي من مطار أبوظبي في طائرة روسية قديمة متهالكة الى عشق اباد وكنت في غاية الاثارة والتشويق.. و كانت المسافة ليست بعيدة نحو ساعتين تقريبا و الركاب كلهم من تركمانستان عدا شخصي.. وكانت اللغة. حاجزا دون التحدث معهم.. فهم يتحدثون الروسية والتركمانية.
وصلت مطار عشق اباد وكان صغيرا بلا مباني تذكر.. توجهنا راجلين من الطائرة الى صالة المطار.. وجدث صعوبة تامة في التفاهم ولكن وجدت من اقلني الى فندق في المدينة لعله بنجمة واحدة او بدون نجمة.. ولكن موطفة الاستقبال وهي ايرانية الجنسية وتتحدث قليلا من الانجليزية ساعدتني كثيرا.
في الصباح نجحت في الوصول الى الصحيفة الرئيسية التي تصدر في البلد.. وجدت هناك مراسلا روسياَ من وكالة إنترفاكس يتحدث الانجليزية.. وحين أخبرته برغبتي في السفر الى افغانستان من تركمانستان.. انفجر ضاحكا وكذلك من حوله من الصحافيين بعد ان ترجم لهم ماقلته. وقال: إن تلك مهمة مستحيلة ولا سبيل اليها مطلقا.. شعرت بالراحة وربما الفرح بعدم تمكني من عبور الحدود الى افغانستان..!
الشاب المراسل عرفني مشكورا على سيدة روسية تركمانية تتحدث الإنجليزية بطلاقة وعرفتني على زوجها السيد طاجيك.. واحدث تعرفي بهذه السيدة تحولا كبيرا في اقامتي في عشق اباد حيث تعرفت على معالم عشق اباد َعدد من ابناء تركمانستان وهم اناس لطيفون جدا بعد تمكنا من التعرف عليهم والتحدث اليهم بوساطة السيدة الروسية وزوجها.. وزرت العديد من الامكان في تركمانستان وتعرفت على طبيعة الحياة في هذه الدولة الإسلامية التي حرمت الشيوعية ابناءها من الاسلام قرونا طويلة.. و وجدت بداية نهضة شاملة من قبل الأتراك في كل المجالات.. وَبعض المساهمات القَطرية في بناء المساجد والفنادق.. و وجدت ان البلد غنية جدا فهي الثالثة بين الدول التي عندها احتياطي غاز طبيعي.. والبترول يباع بسعر زهيد.. وهي من الدول المصدرة للقطن.. والطريف ان الذي يشتري قطن تركمانستان كله تاجر اسمه عبدالله السوداني رحمه الله رحمة واسعة وكان مقيما في سويسرا وقد تعرفت عليه في زيارتي الثانية لعشق اباد.
(للحديث صلة).