رضيت حقاً عندما طفت كثيرا حول إسم من أسماء الله الحسني ألا وهو (العدل) .
فلنتأمل كثيرا هذه الصفة ولنحاول الإيمان بها والدعوة لها ، أقول الإيمان وليس القناعة فالقناعة إرضاء للعقل وتماشي مع حال المنطق وهي درجة سهلة المنال لذوي التفكير السليم ، قد نقتنع ولكن تأبي قلوبنا التجاوب والتأقلم فيصعب علينا الوصول إلي مرحلة اليقين ألا وهو الإيمان .
اذاً الإيمان هو إقناع وترويض للقلب والفكر معا لذلك قلت فلنؤمن ولم أقل فلنقتنع فكثيرونا مقتنعون وقليلونا مؤمنون .
اذا فلنؤمن بصفة العدل ولنيقِّن أنفسنا بهذه الصفة ولنتجاوب مع كل أحرف هذه الكلمة فهو تنزهه سبحانه وتعالي من أن يدرج صفة ليست فيه .
الكون عادل ، سيد الموازين عادل ، كائل المقادير عادل ، موزع الأرزاق عادل .
فما من داعي للقلق وان كنا نؤمن حقا كما ندعي لماذا نقارن بين أرزاقنا َ؟ لماذا ننظر لما ليس لنا ؟ لماذا لا نكتفي بما قٌسم وننتظر ذلك الذي في علم الغيب ؟ .
رضيتُ حقاً عندما امنت بهذه الصفة وأدركت بأن هنالك حكمة ربانية تفوق عقل البشر وتقدير وتقسيم الهيٌ عادل في الأرزاق فصرت أعِي شيئاً فشياً بأن ما ليس عندي لم ليكن ليُناسبُني ويسعدني إن جاء .. وإن ما إمتلكته حق لي الإستمتاع به .. وهنا وجدت كثيراً ممن ينظرون إلي الفارغ من الكاس ويعمون عما مُلء حقاً .
ورضيت أيضاً برزق يومي فربي يوزعه بقدرٍ معلوم علي طول عمري بقياس تمَّ مسبقاً فصرت لا أستعجل زيادة ولا نُقصاناً .
ورضيتُ حقاً عندما امنت بأن ليس كل ما يمتلكه غيري من ظواهر للنعم تعد نِعم .. فالنوم وراحة البال وطيب الخلق والسعادة والرضي نِعمٌ .. لا تنظر فالنعم حقاً تكون في خفاء داخل الروح من محبة لله وللغير ورضي ويقين وصفاءُ نية حالها كحال الكنوز الجوفية .. فما أكثر المعادن النفيسة في باطن الأرض وما أقلها في العلن وما أفجعها من نِغم .
رضيت حقاً ووثقت بخيرة الله لي عندما امنت بحبه لي ووقوفه معي حتي عند الأماني والأحلام فكثيراً ما يُؤجل ما صغُر مني ليعِظم ما يريده لي .. فكم وجدت من بعضهم الضجر وقِلة الصبر لعدم وعي البشر بالحكمة الإلهية وكيف أن الله يري البعيد مما لا نضعه في الحسبان من ضِمن أمنياتنا فيقينا حاضراً ما قد يسوءنا مستقبلاً .
ورضيت حقاً بالبلاء .. فأفاضل الخلق انعمهم الله بالبلاء فصرت ببلاءه من ضمن أفضل خلقه .
ولم يأمر الله في القرآن بالعدل في الحكم والفعل فحسب .. بل فرض الله سبحانه وتعالي في كتابه العدل حتي في الكلام المنطوق ( وإذا قُلتُم فأعدِلوا ولو كان ذا قُربَي ) .
فالعدل مقصود لذاته ومقصود لغيره .. فقصده لذاته فبيانه في القرآن والسنة متظاهران علي الأمر بإيتاء كل ذي حق حقه، وعلي تحريم العدوان ، ورده إن وقع ، بإعادة الحق إلي صاحبه والنهي عن الفساد والعدل هو الذي يحقق منع الفساد ومقصود لغيره فبيانه أن صلاح العالم لا يكون إلا به .. وقد روي عن الحسن البصري أنه تلأ هذه الآية ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان .. إلي آخرها .. ثم قال : ( إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة ، فوالله ماترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئاً الإ جمعه ، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه ) ..
فإيماني بإسم واحد أرضاني بالكثير فما بال الثمانية وتسعون صفة الباقية وبالتفكير العادل سأطوف حول البقية لأتَعرَّف وأؤمِن وأرضي بحكم ربي العادل .
فالعدل أرضاني .. وسأدعو له ( مع غيري ) كما أمرنا الله ..
جمعة مباركة ..
عادل المفتي
الخرطوم – 6 أغسطس 2021م .