مَن سَمِع أهآتهم أوجاعهم التي قطّعت أحشائهم وتلك أصواتهم التي صرخت لإستنجادهم حتى بحت ، مَن سمِع بكائهم حسرة وندم مرة وأنين وألم مرة أخرى ، { الورق } فعلها نعم الورق الذي كان نِعمَ الآذان الصاغية إحتوى أقوالهم الأخيرة ، سبحان من سخر لهم هذا الورق لولاه لما وجدت لهم وصايا ! فتلك الرمال لا تحفظ شيئاً ضعيفة الذاكرة لا تأمنها على كتابة و وصية ، إستوقفني هذا الموقف فقلت : في قرارة نفسي أن فائدة الورق عظيمة جداً لا تقتصر في المراحل الدراسية فحسب وإنما لها نافعة أخرى لا يدرك قيمتها إلا من مرَ بموقف هكذا ..
أعود قليلاً لأذكركم بـ ( مُزنه سيف الدين ) التي كتبت وصيتها ( إلى من يجد هذه الورقه ، هذا رقم أخي (…) أستودعتكم الله وسامحوني أني لم أوصل أمي إليكم .. بابا وناصر بحبكم ، أدعوا لينا بالرحمة وأهدونا قرآن وأعملوا لينا سبيل )) نتفق أن هذه كلمات بسيطة للغاية ولكن تحمل كم هائل من المضامين تجسد حالتهم التي أقل ما يقال عليها مأساوية ، بلا شك أن مُزنه كانت تود في قرارة نفسها أن تسرد الكثير المزيد المرير من التفاصيل التي تعبر عن حالها وحالهم ولكن ربما لا حيل لها ولا طاقه فقد هُلكت فما كان منها إلا أن تستجمع بقايا قوة إستمدتها من إرادة لتكتُب القليل الذي عبّر عن الكثير فالكثير من الحكايات التي في مقدمتها { شوق وأمنيات .. ندم وحسرة .. ألم ودموع .. وداع و رحيل }
وأعتقد لا توجد كلمات بجميع اللغات واللهجات كافيه ووافيه لشرح ما هم كانوا عليه ..
لا أدري ما الذي يقال فالصورة تحدثت عن حالهم ونقلت ما لا تستطيع تفسيره بمجرد كلام ، صوراً ومشاهد تحرك عاطفة الأعداء تهتز لها الجبال ويحزن عليها الجميع ..
الغريب العجيب أن لا أحد من هـٰولاء أصحاب البذل الفخمة والسيارات الفارهه والخطابات الفارغة كلف نفسه أقلها كشيء من الواجب لا موقف بطولي أن يعير هذا الحدث إهتمام وعناية لمواساة ذويهم في فقدهم الجلل .. هذا الحدث الذي نعتبره الأكثر ألماً وحزناً في التاريخ !
أظن إن كان هذا تدشين لأحد الأماكن كالملاهي مثلاً لحضر الجميع منهم بلا إستثناء …
لا أدري لما الإنسان في بلادي يعتبر دون أهمية ؟؟؟!
دائماً ما يكون في الهامش بعيداً عن الأضواء لا يلقى له بالاً ولا يسمع له أمراً ولا ينظر لحاله بعين الإعتبار ، بعيدين منه كل البعد لا تدون شكواه ولا تعالج قضاياه ، إنسان بلادي بالنسبة لهـٰؤلاء خارج محور إهتماماتهم فهم في حالة إنشغال دائم بما هو أهم ..
لا أدري ما الذي سيكون أهم من الإنسان إذن ؟؟؟!
تُرى تقسيم الممتلكات أو بيع الثروات أم ماذا ؟؟؟!!
لا أدري سأترك لكم حرية الإجابة !!
* ثم ماذا بعد … حذارى تلك الصحراء البعيدة عن كل مكان بيضاء الرمال و سوداء السيرة والسمعة بعد اليوم ، لا شيء يقطنها سوى الرمال والشمس والرياح العاتيه التي تهب رمالها يمنةً ويسرةً كيفما تشاء ، لا مأوى فيها ولا حياة ، ستقف وسطها مذهولاً في حيرة من أمرك لتسأل نفسك هل الصحراء دائرية الشكل أم أنني أُصبت بالدوار ؟؟؟!
يا بن بلادي هذه متاهه مفتاحها مع دليل الطرق ذلك الذي ترافقه خبير الدروب وماهرها الذي يظن ونظن معه أنه حضر فيها دراسات عليا ماجستير و دكتوراة ، بدر إلى ذهني سؤال في هذه اللحظة ماذا لو كان رجل الطرق الذي تعتمد عليه إعتماد كُلي وتستأمنه على حياتك بل تغفو مطمئناً ماذا لو أصيب بنوبة قلبية بغتةً أو أصابه الدوار وصار لا يعرف الإتجاهات لا شرقها ولا غربها لا جنوب لا شمال السؤال هُنا كيف سيكون مصيرك ؟؟!
دعك من هذا الرجل يمكن أن يكون معروفاً وسط منطقته بصحة جيدة ( متل الحصان ) ومعروف بدماغ داهيه تأتي بالرايحه لا خوف منه ولا عليه ، هل تثق بمركبة كل ما يميزها أربعة إطارات سوداء من المحتمل أن تفعل ما تخشاه في أي وقت ؟؟؟!
حذارى لا نود أن نفقد المزيد هناك …
أمَا رأيت هـٰؤلاء الذين فارقت أرواحهم الحياة بعد ما نفذت الكمية المحدودة من الماء والطعام ولم يجدوا سوى خيط من الأمل تشبثوا به جيداً حتى أفلتهم وسقطوا أموات واحداً تلو الأخر في مشهد مريع يعد الأكثر حزناً وألماً في التاريخ كما ذكرت أنفاً ..
أعتقد أنهم لم يستسلموا لحظة بل قاوموا الظمأ والجوع وصمدوا كالأبطال في ساحة الحرب وظلوا يرددون النجاة والدعوات الصالحات إلى أن فاضت أرواحهم .. فالترقد بسلام
الله سبحانه تعالى أحن عليهم منا سيعوضهم بإذنه خيراً وفيرة ينسيهم ما مروا به ..!
#أخـــر_قـــــولــي :
سيظل هذا الحدث عالقاً في الذاكرة السودانية ما حيينا ..!!!!