تناولنا في المرة السابقة موضوع التشكيل الوزاري المرتقب والذي ظل قابعا ومعشعشا في بال السيد رئيس الوزراء لفترة طويلة برغم ما تعيشه البلاد من أزمات طاحنة وبرغم خلو عدد كبير من الوزارات المهمة من وزرائها بالأصالة،، وبات يديرها وزراء بالوكالة والتكليف مثل المالية والخارجية والطاقة والصحة والثروة الحيوانية ،، وحتما ترتب على هذا الفراغ آثار سالبة على الأداء وكنا قد نادينا أن تأتي الحكومة المرتقبة رشيقة قليلة التكلفة بما يناسب جيبها الخالي الا مما تيسر وما تجود به ربربة المطبعة ولكن باسف خاب فالنا وقد تسربت الأخبار ونقلت الأسافير أنها ستكون حكومة فضفاضة لتسع الجميع وليجد الكل فيها ضالته ومغرمه ونفسه ومقاسه،، المطلوب فقط تسمية الأسماء بعد أن اتفق الفرقاء على الكم وليس على النوع فعرف كل منهم مشربه. فمنهم من نال سبعة عشر مقعدا ومنهم من نال عشر وتواضع منهم واكتفي بمقعدين سياديين وان قل عددهم لكن ثقل وزنهم،، هذه المحاصصة البينة كان لا بد أن تستغرق كل هذا الوقت الطويل لبلوغها لما جري فيها من مناورات ومساومات حتى بين أعضاء الفريق الواحد،، فالصورة حقيقة أصبحت مقلوبة والموازين أصبحت مختلة عندما نأتي الي عملية اختيار الوزارة والتي يستعجل المسؤولون بالدولة في اعلا مستوياتهم بضرورة استعجال تكوينها وهو الأهم الذي يتطلب التدقيق والتأني عند الاختيار وليس التسرع ،، ولم نسمع هذا المطلب بل التوجيه إبان عملية تحديد نسب المشاركة في الحكومة الجديدة بين الشركاء والذي من المفترض أن يكون الأسهل لأن الوثيقة الدستورية بعد تعديلها قد حسمت هذا الأمر.
ان مهمة اختيار الوزراء في رائي هي الأصعب اذا ما اريد لها أن تتم بصورة سليمة يتوافق فيها اختيار الرجل المناسب او المرأة المناسبة في المكان المناسب ليس مثل المرات السابقة التي انتجت تشكيلة وزارية وجهت لها انتقادات لاذعة وعنيفة تأكدت صحتها بعد الاخفاق البين والكبير الذي لازم آداءكثير من منسوبيها. ولكي لا يتكرر نفس المشهد نرى ان يمنح حمدوك وقتا كافيا ومناخا ملائما لاختيار طاقمه الوزاري. حقيقة نشفق علي حمدوك وهو يضطلع بهذه المهمة تحت ضغوط كبيرة وأجواء مشحونة وقد اتاه كل فصيل متابطا اسماء مرشحين وسيرهم الذاتية بلغوا في مجملهم حوالي( 77 )فردا مطلوب منه اختيار (27+2) وزيرا وهو ربما بل حتما لا يعرف معظهم والمطلوب أن يختارهم ليعملوا وزراء في مجلسه وان يتم الإختيار في وقت وجيز دونما تكون في معيته وبين يديه معاير ومواصفات يستند إليها في اختياره ولا سابق معرفة بهم يتكا عليها وكل ما في جعبته اسماء لأشخاص يتبعون لجهات رشحتهم بسيرة ذاتية قد تكون نمطية ربما تكون غير مسنودة بخبرة. الحال في الديمقراطيات الغربية أن تأتي التشكيلة من حزب واحد أو من ائتلاف يعرف شخوصه بعضهم البعض لسنوات ويعرفون مقدرات بعض ولذلك يأتي آداؤهم قويا متناقما عكس ما يجر عندنا حينما تأتي التشكيلة لحم رأس على الرغم من أن لحم الراس من أطيب انواع اللحوم ولكنه في حالتنا يصبح مسخا مشوها.
ان عملية اختيار الوزراء التي يقوم بها الآن د. حمدوك اشبه ما تقوم به الخاطبة عندنا في السودان قديما عندما تأتي بترشيحات حسنوات كثر حسب معايرها الخاصة ليختار منها العريس واحدة منهن دون سابق معرفة فإما صابت الزيجة فيما بعد او خابت تماما مثل شراء البطيخ يا احمر او قرعة.
د. حمدوك (الخطيب) سلم قوائم الترشيح مشفوعة بالسير الذاتية وطلب منه اختيار شخص واحد من بين ثلاثة أشخاص ليصبح وزيرا فقطعا سيقف محتارا أمام هذا الاختبار الصعب الذي لا يملك مفاتيحه ولا متطلباته كل ما يملكه هي معايير فضفاضة مثل أن يتوخي عند الإختيار ويلتزم بمعايير مبهمة مثل التنوع والتوزيع الجغرافي ولعل أوضح وابرز تلك المعايير الجندرة. وباسف والكل مشغول بعملية قسمة السلطة واختيار وزرائها لم نسمع اي حديث عن خطط او برامج او استراتيجيات. عموما وبرغم أن المرحلة القادمة مرحلة مفصلية مهمة في تاريخ السودان يفترض أن تمهد وتعبد الطريق نحو التحول الديمقراطي وتأسيس دولة السودان الديمقراطية الحديثة الا ان ما يحدث وبهذا النسق الذي يجري باسف شديد لبناء هياكل الدولة وسلطاتها الثلاث الذي لم يكتمل بناؤه بعد يؤشر الي ضبابية الموقف وعدم اتضاح الرؤى للسير في ذلك الطريق.