نحن شعب يعشق تمجيد الطواغيت وبالاخص عندما يرحلوا تضعف الذاكرة القريبة والبعيدة و تنشط أوهام الخيال لبطولات زائفة ما انزل الله بها من سلطان ونعزف مواويل الشجن ونزرف دموع الحسرة والندم لذلك الزمن الجميل والعهد الاخضر
ولذلك يمكن لذاكرة الذبابة التي هى سريعة النسيان ان تمجِّد لنا المخلوع عمر البشير في يوم من الايام !!! وهكذا دواليك
جاء نميرى الى الحكم بإنقلاب على التعددية الديمقراطية مسنودا باليسار ممثلا فى الحزب الشيوعى والقوميين العرب
حيث انقلب على حكومة اسماعيل الازهري المنتخبة ديمقراطياََ وأنشأ المجلس الوطني لقيادة الثورة بقيادته حيث ترقى في نفس اليوم من عقيد الى لواء ثم لاحقا الى مشير وتم اسناد رئاسة الوزراء لبابكر عوض الله رئيس القضاء الاسبق
ولايخفى على الجميع مرارات الحزب الشيوعى عندما تم حل الحزب وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان لذلك كان هو السند القوى لإنقلاب مايو حيث كانت هي صفقة مصالح بين نظام مايو والحزب الشيوعي حيث وجد الحزب الشيوعي في نظام مايو إمكانية الحد من نفوذ الأحزاب الطائفية والدينية والتي كانت سبباََ في طرده من البرلمان وكذلك نظام مايو يحتاج لدعم الحزب الشيوعي في مجابهة الأحزاب التقليدية حيث يتمتع الحزب بنفوذ قوية وسط النقابات والطبقة العاملة والقطاع الطلابي وهذا يكفي لتثبيت اقدام النظام في بداياته ثم بعد ذلك حدث الخلاف المشهور بين الحزب الشيوعى ونظام نميرى حيث انتهى بالمواجهة الدموية والتى كانت الضربة القاضية للحزب الشيوعى .. بدأها مع الشيوعيين وختمها بالاسلاميين وبين هذا وذاك كانت الفوضى والتخبط .. في إطار مساعيه لحل مشكلة الحكم في السودان تم تعيين جعفر محمد علي بخيت وزير الحكم المحلي وهو من وضع مسودة دستور مايو والذي ادى الى التحول من الحكم البرلماني الى الجمهوري وهو أيضا منظر ومفكر الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي) بقيادة نميري و حل الاتحاد الاشتراكي محل الأحزاب مع المنظمات والاتحادات الجماهيرية فيما سمى بتحالف قوى الشعب العاملة واصبح نميري أول من حاز على لقب رئيس جمهورية السودان ..
أزمة السودان الحقيقية بدأت مع نميري فقد كان له قصب السبق في تدمير الإقتصاد السوداني وكان صاحب القدح المعلى في هذا المضمار وتعتبر سياسة التأميم التي انتهجها أكبر كارثة اقتصادية في تاريخ الاقتصاد السوداني ادت الى انهيار الإقتصاد وفقدان الثقة من قبل للمستثمرين ..
تعتبر سياسة التأميم أكبر كارثة فى عهد النميرى وعلى امتداد تاريخ السودان وفى ذلك اليوم المشؤم وهو 25 مايو 1970 وهى احتفالية الذكرى الأولى لتوليه الحكم قسرا بحضور عبدالناصر والقذافى حيث اعلن عن تأميم البنوك وعددا من الشركات الاجنبية الكبرى والتى كان لها اسهام ودور مؤثر فى الاقتصاد وقد كانت هذه من أكبر الأخطاء الكارثية التى اصابت الاقتصاد فى مقتل ولم يتعافى منها حتى يومنا هذا وكان القصد منها احداث ضجيج إعلامى وترويج بانه مع بداية الذكرى الأولى للثورة المزعومة تم إتخاذ قرارات مصيرية وقد إعترف نميرى لاحقا بهذا الخطأ الفادح ولكنه قال لابد من تنفيذ قرارات اتخذتها ؟؟!! لذلك يعتبر نميري هو أول من بذر بذور دمار الإقتصاد السوداني والتي نمت في عهده وبرعايته وتمددت حتى يومنا هذا .. كانت في عهده مشاريع التنمية الفاشلة التي كلفت البلاد عبئا اقتصادياََ هائلاََ وكانت نموذج للفشل الذريع وسوء التخطيط
وفي عهده كانت أكبر مجاعة تضرب غرب السودان بشكل عام ودارفور على وجه الخصوص وكان ذلك في عام 1984وكانت تلك الصور المؤلمة للجوعى وهم يبحثون فى بيوت النمل عن حبيبات الذرة القديمة في منظر تقشعر له الأبدان وقد قضت هذه المجاعة على عدد كبير من اهل دارفور ونزح مابقي منهم على قيد الحياة الى أقرب المدن ..
الكارثة الإنسانية العظيمة التي اقدم عليها نميري بدم بارد وهو لم يكمل عامه الأول في الحكم في أواخر مارس 1970 وتجرد من حرمة الدم هى ضرب الجزيرة ابا برا وجوا وساعده فى القصف الجوي ثلاث دول اجنبية فعلا واستشارة وذهب ضحيتها الأبرياء .. واستغرب عندما يتشدق جاهل ويقول ان نميري وطني !!! كيف لإنسان وطني ان يقصف شعبه بمساعدة اجنبية؟؟!! فقد كان نموذج للحاكم الباطش المتجبر والمتسلط وكل من يهدد كرسي حكمه يبطش به بطشا لا هوادة فيه ..
فى عهده البائس تم ترحيل الفلاشا من اثيوبيا الى اسرائيل وتهجير الفلسطينيين لمدينة شندى بالسودان ساهم جعفر النميري في إتمام أول عملية تهجير للآلاف من الفلاشا أطلق عليها اسم “عملية موسى” وذلك في العام 1984. وتواصلت فيما بعد عمليات تهجير الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل حيث هاجر أكثر من 20 ألفا من الفلاشا في العام 1985 في عملية أطلق عليها اسم ” عملية سبأ وهذا يعنى ان النميرى كانت له علاقة وطيدة بالكيان الصهيونى وهذه العملية التى نفذها لصالح إسرائيل هى بمثابة دعم لكيان عنصرى ومحتل وهذه تمثل قمة العمالة والإرتزاق على حساب اصحاب الأرض المغتصبة و سيذكرها له التاريخ فى سجله الأسود حيث لم يسبقه عليها احد فى ذلك الزمان وذلك بفضل جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي والذي زار الخرطوم من أجل طمأنة النميري وتأكيد الضمان الأمريكي لنجاح العملية ووافق النميري بشرط عدم توجه الطائرات الأمريكية التي ستنقل المهاجرين إلى تل أبيب مباشرة بل عبر مدينة أخرى وعبر مطار مهجور ( العزازا ) بشرق السودان بالقرب من مراكز تجمع الفلاشا .. تمكنت المخابرات الأمريكية وعملاؤها من تنفيذ العملية ونقلتهم الطائرات العسكرية الأمريكية مباشرة إلى مطار عسكري إسرائيلي في منطقة النقب
نميري هو أول من حمل معول الهدم على الوطن وفتح هذا الباب حتى اتسع الرتق على الراتق من بعده ثم جاء من بعدها آخرون اكملوا المهمة فصارت البلد خراباََ على خراب وأثراََ بعد عين .. وأسوأ تركاته التى عانى منها السودان ومازال ويسظل هو فتحه الباب لتيار الإسلام السياسي وتقويتهم عندما تحالف معهم وفتح شهيتهم للحكم في آخر ايامه ظنا منه بانه سيعيد زمام الأمور الى نصابها بعد ان فقد البوصلة وكان هذا آخر فصول المشهد البائس من مسرحية حكمه العقيم وكان ذلك هو تحالف الشيطان مع الأحمق باسم الدين لشئ في نفوسهم فاتخذوا الدين وسيلة نبيلة لغاية دنيئه وكل يمني نفسه بأماني النفس وهوى الذات وغدر الآخر .. وفي نهاية المطاف غادر نميري غير مأسوفا عليه بثورة شعبية عظيمة خلدها التاريخ وفتح الباب للتيار الانتهازي الذي عاد من جديد في عام 1989 واذاق الناس لباس الجوع والقهر والتسلط والعذاب على مدار 30 سنة كانت نموذجا من الفساد والهدم غير مسبوق وقضى على مقدرات البلاد وكان هو الذي فتح لهم هذا الباب على مصراعيه ولذلك سيتحمل نميري ونظامه المسؤولية التاريخية كاملة عن هدم مقدرات البلاد والتي اسس لها في عهده وتمددت حتي اصبحت حالة مستمرة من الفساد على مدار الأنظمة المتعاقبة وكذلك هو المسؤول عن تقوية تيار الإسلام السياسي المتطرف حيث كان هو الحاضنة التى رعته ونما واستقوى في عهده وانطلق بعدها يعوث فسادا في أرض الوطن الحبيب وتجاوزه الى دول الجوار
ومن اشهر سلوك نميري المتسلط والمتجبر انه كان يعنف المسؤولين بالضرب والترهيب بنفسه وهذا تسلط لم يسبقه عليه احد .. سيظل الديكتاتور ديكتاتورا ومهما تكن محاولات تلميعه ونسج القصص الوهمية لترتفع بورصة قبوله ولكن سيظل في مكانه الطبيعي حيث يلفظه التاريخ خارج دائرته جراء افعاله وممارساته القمعية التي يندى لها الجبين والتي تعتبر انها ضد حركة التاريخ الإنساني .. وانا استغرب الى درجة الحيرة في وصف العسكر عبثهم المتوالي في الإستيلاء على السلطة ووصفها بالثورة وانا اسميها اوهام النفس وستظل الثورة ثورة والأنقلاب إنقلاب ولكن الشئ الأكثر وجعا وإيلاما ان شريحة من الناس تروج لعهد نميري ولنميري نفسه وهذا لعمري حالة من انفصام الشخصية اي الشيزوفرينيا خاصة عندما يصنف نفسه انه من حملة لواء الثورة ويهتف حرية سلام وعدالة !!! كيف لك أن تجمع كل هذه المتناقضات وتفصلها عن واقع تفكيرك الآحادى الذي ليس له علاقة بالحرية والسلام والعدالة
في عهد نميري مات الزعيم الوطني العلم والرمز القامة الذي يمثل عز الوطن رافع علم استقلال البلاد اسماعيل الازهري حيث اودعه نميري السجن حتى توفاه الله بعد انقلابه المشؤوم على الحكم الديمقراطي في عهد الزعيم الأزهري وهناك رواية تقول انه مات مسموما .. هكذا هم العسكر لم يكونوا محضر خير في يوم من الأيام ويكفي ان عقليتهم لم تستوعب وتفهم مكانهم الطبيعي وهناك خلل غريب ومحيِّر في مفاهيمهم حيث انهم يتوهموا على الدوام بأنهم خُلقوا ليحكموا !!!!
هذا قليل من كثير من الأحداث الجسام التي حدثت في عهده وكلها ضد الفكر الإنساني الحر وسأتناول مواقف مهمة حدثت في عهده بسرد وتفصيل في سلسلة مقالات قريباََ بإذن الله
شئ من حتى@
حكم العسكر السودان 52 سنة من مجموعة 65 سنة بعد الإستقلال كأسوأ ما تكون سنين الحكم ولا اقول اعوام لأن السنين فيها الشدة والمآسي وتم خلال تلك الفترة تفعيل الخراب والدمار بشكل ادهش الشعب والمراقبين ولم يسبقهم حاكم على مستوى العالم فعل كما فعلوا ومازالت تراودهم فكرة مواصلة الدمار ولكنهم الآن مصدومين لأن هذا لن يتكرر ابدا على أرض الواقع مرة أخرى غير انه ممكن ان يكون في مخيلتهم واحلامهم شئ من حتى