لعله من المثير للعجب والحنق معا ان ننظر الى السهولة التي تتمكن بها اي قوة منظمة من التسويق ثم الى فرض اي فكرة بعينها. ولعل هذه هي أحدى الصفات التي تجعلنا نوصف بأننا دول متخلفة اذا شئنا الصراحة او دول نامية اذا شئنا التادب. من المؤسف انا هذه الظاهرة، ظاهرة الاقتناع بالافكار الرنانة رغم انتشارها في العالم الثالث لكنها اشد وضوحا ورسوخا في العالم الاسلامي و اكثر من ذلك في العالم العربي والافريقي.
لقد تمكنت حركات الإسلام السياسي من ايهام الملايين بشعارات عقائدية وانساق مئات الآلاف من الشباب الى الحرب في جنوب السودان تحت راية الجهاد والدفاع الشعبي. وبعد الفشل، اعلن عراب النظام ان الذين ماتوا في الجنوب (فطايس) ليسوا شهداء. الآن نحن امام فكرة جديدة تكاد تكون شعارا، و هي ان التطبيع مع إسرائيل وحصول السودان على منح بقيمة ٣ مليار دولار سوف يحل الازمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد. نحن لا نعارض التطبيع مع اسرائيل ولا نريد الخوض في تحليل هذا الموقف السياسي، واذا رأت الحكومة الانتقالية بشقيها العسكري و المدني المضي في التطبيع فلتسر في هذا الاتجاه، ولكن ياسادتي الكرام لاتخدعونا بفكرة ان التطبيع سيخرجنا من الازمة الاقتصادية. علل الإقتصاد السوداني واضحة ومعروفة. ابرزها خروج صادر المحاصيل السودانية تقريبا بالكامل دون عودة حصيلتها بالعملة الصعبة الى الجهاز المصرفي. عدم اشراف البنك المركزى على البنوك هو ثاني الاسباب وهو بالتالي يوجد الكتلة النقدية والدولار خارج الجهاز المصرفي و من ثم سيطرة المصدرين وعدد من المضاربين الجشعين على حركة النقد. اضافة الى انهيار جهاز الخدمات المساندة للاقتصاد واهمها السكة حديد. كما ان الفساد المتغلغل في الدولة يحول دون وصول القروض والمساعدات الى اوجه صرفها الحقيقية.
في عهد الانقاذ دخلت البلاد مليارات الدولارات في شكل قروض و مساعدات وهبات لم ير المواطن منها شيئا. وانتهينا الى الحالة التي نعيشها الآن. فما الذي سوف تفعله هذه الثلاثة مليارات لاقتصادنا الكسيح والذي تتمثل ازمته في هياكل العملية الاقتصادية الاساسية؟
ان فتح الاسواق برفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب واتاحة فضائات جديدة لايمكن ان تكون حلا اقتصاديا، لانها أيضا ستصب في مصلحة الاشخاص و المؤسسات التي تعمل خارج النظام المصرفي واشراف وزارة المالية والتي لاتزال مسيطرة على البلاد منذ العهد البائد.
ابراهيم زالنقا