أمضيت أمسية لطيفة مع زملاء المهنة الذين التقيت بهم بعد طول غياب…فقد غير فيروس كورونا نمط حياتنا وصار التباعد الاجتماعي الدواء الناجع لمجابهة الوباء…و على الرغم من ذلك وكعادتنا نحن سودانيي المهجر التقينا تسامرنا وضحكنا وأمضينا ليلة ليلاء انفض الجمع بعدها ومضى كل إلى حال سبيله. اخذت على عاتقي توصيل إحدى زميلاتي إلى أقرب محطة مترو أنفاق. ما أن ادرت محرك السيارة حتى انطلق صوت أم كلثوم ليكمل فرحة النشوى باللقاء. همست لي زميلتي مندهشة ” ما زلت تسمعين أم كلثوم”؟؟
نعم ما زلت وسأظل أستمع لكوكب الشرق على الرغم من مرور الأيام والسنوات وظهور العديد من نجوم الغناء والألوان المختلفة في لأداء وتغير الاذواق صعودا وهبوطا وظهور ظاهرة “القونات” اللائي كن محور حديثنا لأكتشف مدى جهلي بتلك الظاهرة… مع هذا الضجيج الغنائي الاستماع للست أو القيثارة أو ثومه أمر يتفق عليه قلبي وعقلي… فقد رحلت أم كلثوم قبل أعوام من ميلادي و لايزال صوتها يسجل حضورا في الأجيال كيف لا و هي التي قال عنها ذات مرة الشيخ مصطفي عبد الرزاق حافظ القرآن الكريم ” كلما ذكرت الشيوخ ذكرت أم كلثوم أميرة الغناء في وادي النيل، فإن لها هي أيضاً شيوخاً يحفون بها في عمائمهم المرفوعة” … المنشدة أم كلثوم التي أصبحت نجمة الغناء في عصر يصعب فيه نحت الأسماء أدركت أن الموهبة وحدها لا تضمن لها الاستمرار والتوهج لذلك تعلمت أصول الموسيقى والعزف على آلة العود وهذا هو ديدن المجتهدين في مجالاتهم… فهي مازالت تعرف كيف تسجل حضورا صوتا و صورة… تمنيت لو كنت ضمن الحضور في الحفل الذي أقيم لها في الرياض عبر تقنية الهيلوجرام الحديثة التي اتاحت للجمهور رؤيتها والتفاعل معها و كأنها معهم… صورتها القادمة عبر الأشعة جعلت الحضور سكارى وما هم بسكارى وإنما بها يهيمون… يرددون معها
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدِ
يالشوقي وإحتراقي في انتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني
أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني.